فصل: 209- باب ما جاء في الاعتماد في السجود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


193- بابُ ما جاء في مَنْ لا يُقيم صُلْبه في الركوعِ والسجود

262- حدثنا أحمدُ بنُ مَنيعٍ حدثنا أبو مُعَاوِيَةَ عن الأعمشِ عن عُمَارةَ بنِ عُمَيْرٍ عن أبي مَعْمَرٍ عن أبِي مَسْعُودٍ الأنصاريّ البدريّ قال‏:‏ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا تجزئ صَلاةٌ لا يُقيمُ فيها الرجلُ يعني صُلْبَه في الركوع السجودِ‏"‏‏.‏

قالَ‏:‏ وفي البابِ عن عليّ بن شَيْبَانَ وأنسٍ وأَبِي هُرَيْرَةَ ورِفَاعَةَ الزّرَقِيّ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ أبي مسعودٍ ‏(‏الأنصاري‏)‏ ‏(‏حديث‏)‏ حسَنٌ صحيحٌ‏.‏

والعملُ على هذا عندَ أهلِ العلمِ من أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، ومن بعدهم‏:‏ يَرَوْنَ أن يُقِيمَ الرجُلُ صُلْبَهُ في الركوع والسجودِ‏.‏

‏(‏و‏)‏ قال الشافعِيّ، وأحمدُ وإسحاقُ‏:‏ مَنْ لا يُقم صُلْبهُ في الركوعِ والسجودِ فَصَلاتُهُ فَاسِدَةٌ، لحديثِ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا تجزئ صَلاَةٌ لا يُقِيمُ الرجُلُ فيها صُلْبَهُ في الركوع والسّجودِ‏"‏ وأبو معْمَرٍ اسمُهُ عبدُ الله بنُ سَخْبَرَةَ‏.‏ وأبو مسعودٍ الأنصارِيّ البَدْرِيّ اسْمُهُ عُقْبَةُ ابنُ عمرٍو‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عمارة بن عمير‏)‏ التيمي الكوفي ثقة ثبت ‏(‏عن أبي معمر‏)‏ إسمه عبد الله بن سخبرة بفتح السين المهملة وسكون الخاء المعجمة وفتح الموحدة الإزدي الكوفي ثقة ‏(‏عن أبي مسعود الأنصاري‏)‏ البدري اسمه عقبة بن عمرو بن ثعلبة صحابي جليل مات قبل الأربعين وقيل بعدها‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏لا تجزيء صلاة لا يقيم الرجل فيها يعني صلبه‏"‏ أي أظهره أي لا يجوز صلاة من لا يسوي ظهره في الركوع والسجود والمراد الطمأنينة قاله في مجمع البحار‏.‏ واستدل بهذا الحديث على وجوب الطمأنينة في الأركان، واعتذر بعض من لم يقل به بأنه زيادة على النص لأن المأمور به في القرآن مطلق السجود فيصدق بغير طمأنينة، فالطمأنينة زيادة والزيادة على المتواتر بالاَحاد لا تعتبر وعورض بأنها ليست زيادة، لكن لبيان المراد بالسجود، وأنه خالف السجود اللغوي لأنه مجدد وضع الجبهة، فبينت السنة أن السجود الشرعي ما كان بالطمأنينة‏.‏ ويؤيده أن الاَية نزلت تأكيداً لوجوب السجود وكان النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه قبل ذلك ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بغير طمأنينة‏.‏ قاله الحافظ في الفتح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن علي بن شيبان وأنس وأبي هريرة ورفاعة الزرقي‏)‏ أما حديث علي بن شيبان فأخرجه أحمد وابن ماجه ولفظه لا صلاة لمن لم يقم صلبه في الركوع والسجود‏.‏ وأما حديث أنس فأخرجه الشيخان ولفظه‏:‏ أقيموا الركوع والسجود فوالله إني لأراكم من بعدي، وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان من حديث المسيء صلاته، وأما حديث رفاعة فأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث المسيء صلاته أيضاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي مسعود حديث حسن صحيح‏)‏ أخرجه الخمسة كذا في المنتقى‏.‏

قال الشوكاني إسناده صحيح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال الشافعي وأحمد وإسحاق‏:‏ من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود فصلاته فاسدة الخ‏)‏ فعند هؤلاء الأئمة الطمأنينة في الأركان فرض، وبه قال الجمهور وهو الحق قال الحافظ‏:‏ فعند هؤلاء الأئمة الطمأنينة في الأركان فرض، وبه قال الجمهور وهو الحق قال الحافظ‏:‏ واشتهر عن الحنفية أن الطمأنينة سنة، وصرح بذلك كثير من مصنفيهم، لكن كلام الطحاوي كالصريح في الوجوب عندهم فإنه ترجم مقدار الركوع والسجود ثم ذكر الحديث الذي أخرجه أبو داود وغيره في قوله سبحان ربي العظيم ثلاثاً في الركوع وذلك أدناه، قال فذهب قوم من أن هذا مقدار الركوع والسجود ولا يجزئ أدنى منه‏.‏ قال‏:‏ وخالفهم آخرون فقالوا‏:‏ إذا استوى راكعاً واطمأن ساجداً أجزأ، ثم قال‏:‏ وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد انتهى كلام الحافظ‏.‏

قلت‏:‏ تعديل الأركان والطمأنينة فيها فرض عند أبي يوسف أيضاً، وأما عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله، فقيل واجب وقيل سنة، قال صاحب السعاية ص241 ج2 بعد ذكر عبارات كتب الحنفية في هذا الباب ما لفظه‏:‏ وجملة المرام في هذا المقام أن الركوع والسجود ركنان اتفاقاً، وإنما الخلاف في اطمئنانها فعند الشافعي وأبي يوسف فرض، وعند محمد وأبي حنيفة فرض ما نقله الطحاوي، وسنة على تخريج الجرجاني، واجب على تخريج الكرخي، وهو الذي نقله جمع عظيم عنهما وعليه المتون والقومة والجلسة، والاطمئنان فيهما كل منها فرض أيضاً عند أبي يوسف والشافعي سنة، عند أبي حنيفة ومحمد على ما ذكره القدماء واجب على ما حققه المتأخرون، ومقتضى القاعدة المشهورة أن تقوم القومة والجلسة واجبتين والاطمئنان فيهما سنة لكن لا عبرة بها بعد تحقيق الحق انتهى كلامه‏.‏

واحتج من قال بالفرضية بحديث الباب فإنه نص صريح في أن من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود لا تجوز صلاته وهو المراد بفرضية الطمأنينة في الركوع والسجود، وبحديث المسيء صلاته أخرجه البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى فسلم عليه فرد وقال ارجع فصل فإنك لم تصل الحديث، وفيه‏:‏ إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً وافعل ذلك في صلاتك كلها‏.‏ ورواه أبو داود نحوه وفيه، فإذا فعلت هذه فقد تمت صلاتك، وما انتفضت من هذا شيئاً فإنما انتقصته من صلاتك‏.‏ ورواه ابن أبي شيبة وفيه‏:‏ دخل رجل فصلى صلاة خفيفة لم يتم ركوعها ولا سجودها، واسم هذا الرجل خلاد بن رافع كما وقع في بعض طرق هذا الحديث‏.‏ فقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ صل فإنك لم تصل، صريح في أن التعديل من الأركان بحيث أن فوته يفوت أصل الصلاة وإلا لم يقل لم تصل، فإن من المعلوم أن خلاد بن رافع لم يكن ترك ركنا من الأركان المشهورة إنما ترك التعديل والاطمئنان فعلم أن تركه مبطل للصلاة‏.‏

وأجاب الحنفية عن هذا الاستدلال بوجوه كلها مخدوشة منها ما قالوا إن آخر حديث المسيء صلاته يدل على عدم فرضية التعديل، فإنه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ وما نقصت من ذلك فإنما نقصته من صلاتك، فلو كان ترك التعديل مفسداً لما سماه صلاة كما لو ترك الركوع والسجود‏.‏

ورده العيني في البناية بأن للخصم أن يقول إنما سماه صلاة بحسب زعم المصلي كما تدل عليه الإضافة على أنه ورد في بعض الروايات‏:‏ وما نقصت شيئاً من هذا أي مما ذكر سابقاً، ومنه الركوع والسجود، أيضاً فيلزم أن تسمى مالا ركوع فيه أو لا سجود فيه أيضاً صلاة بعين التقرير المذكور وإذ ليس فليس انتهى‏.‏

ومنها ما قالوا إن هذا الحديث لا يدل على فرضية التعديل بل على عدم فرضيته، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الأعرابي حين فرغ عن صلاته، ولو كان ما تركه ركنا لفسدت صلاته فكان المضي بعد ذلك من الأعرابي عبثاً ولا يحل له صلى الله عليه وسلم أن يتركه، فكان تركه دلالة منه أن صلاته جائزة إلا أنه ترك الإكمال فأمره بالإعادة زجراً له عن هذه العادة‏.‏

ورده العيني في البناية بأن للخصم أن يقول كانت صلاته فاسدة، ولذا أمر بالإعادة وقال له لم تصل وإنما عليه لأنه ربما يهتدي إلى الصلاة الصحيحة ولم ينكر عليه لأنه كان من أهل البادية كما شهدت به رواية الترمذي ‏"‏يعني بها التي رواها الترمذي في باب ما جاء في وصف الصلاة وفيها إذا جاءه رجل كالبدوي‏"‏ ومن المعلوم أن أهل البادية لهم جفاء وغلظ فلو أمره ابتداء لكان يقع في خاطره شيء وكان المقام مقام التعليم وبالجملة لا دلالة لعدم إنكاره عليه الصلاة والسلام على صلاته ابتداء وأمره بالإعادة على ما ادعوه انتهى‏.‏

ومنها‏:‏ ما قالوا من الله تعالى أمرنا بالركوع والسجود بقوله‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا‏}‏ والركوع والسجود لفظ خاص معناه معلوم، فالركوع هو الانحناء والسجود هو الانخفاض، فمطلق الميلان عن الاستواء ووضع الجبهة على الأرض فرض بالاَية المذكورة، وفرضية التعديل الثابتة بقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ فإنك لم تصل، وكذا فرضية القومة والجلسة بحديث لا تجزيء صلاة المقيم الرجل فيها ظهره في الركوع والسجود وأمثاله أن لحقت بالقرآن على سبيل البيان فهو ليس بصحيح، لأن البيان إنما يكون للمجمل ولا إجمال في الركوع والسجود وإن لحقت على سبيل التغيير لإطلاق القرآن فهو ليس بجائز أيضاً، لأن نسخ إطلاق القرآن بأخبار الاَحاد لا يجوز كما حققه الأصوليون، ولما لم يجز إلحاق ما ثبت بهذه الأخبار بالثابت بالقرآن ولم يمكن ترك أخبار الاَحاد بالكلية أيضاً فقلنا ما ثبت بالقطعي وهو الركوع والسجود فرض، وما ثبت بهذه الأخبار الظنية الثبوت واجب‏.‏

والجواب‏:‏ أن المراد بالركوع والسجود في الاَية المذكورة معناهما الشرعي وهو غير معلوم فهو محتاج إلى البيان فهذه الأخبار لحقت بالقرآن على سبيل البيان ولا إشكال‏.‏ وقد صرح العلماء الحنفية أن معناهما الشرعي هو المراد عند أبي يوسف رحمه الله أن هذه الأخبار قد لحقت بالقرآن على سبيل البيان عنده‏.‏

واعلم أن أبا يوسف رحمه الله شريك لأبي حنيفة ومحمد في القاعدة الأصولية المذكورة ويجريها في مواضع كثيرة، ومع هذا فهو قائل بفرضية التعديل فيرد عليه إشكال عسير، وهو أنه كيف ينسخ إطلاق ههنا بخبر الاَحاد ويجعل التعديل فرضاً، وقد ذكر العلماء الحنفية في دفع هذا الإشكال ما نقله ابن عابدين في حواشي البحر عن بعض المحققين من أن المراد بالركوع والسجود في الاَية عندهما معناه اللغوي وهو معلوم لا يحتاج إلى البيان، فلو قلنا بافتراض التعديل تلزم الزيادة على النص بخبر الاَحاد، وعند أبي يوسف معناهما الشرعي وهو غير معلوم فيحتاج إلى البيان انتهى‏.‏

ثم اعلم أن حمل لفظ الركع ولفظ السجود في الاَية المذكورة على معناهما الشرعي هو المتعين لأنه قد تقرر أن أمثال هذه الألفاظ في النصوص يجب حملها على معانيها الشرعية إلا أن يمنع مانع ولا مانع ههنا‏.‏

وحاصل الكلام أن القول بأن تعديل الأركان فرض هو الراحج المعول عليه والله تعالى أعلم‏.‏

194- باب ما يقولُ الرجلُ إذا رفعَ رأسَهُ من الركوع

263- حدثنا محمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا أبو داودَ الطيالسيّ حدّثنا عبْدُ العزيزِ بنُ عبد الله بن أبي سَلَمَةَ الماجِشُونُ، حدثنا عَمّي عن عبدِ الرحمَنِ الأعْرَجِ عن عُبَيْدِ الله بن أبي رافعٍ عن عليّ بنِ أبي طالبٍ قال‏:‏ ‏"‏كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا رفعَ رأْسَهُ من الركوعِ قالَ‏:‏ سَمِعَ الله لمن حَمدَهُ، رَبّنَا ولكَ الحمدُ مِلءَ السماواتِ ‏(‏وملء‏)‏ والأرض، ومِلْءَ ما بينهما، ومِلءَ ما شِئْتَ من شَيء بَعْدُ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وفي البابِ عن ابنِ عمرَ وابنِ عباسٍ وابنِ أبي أوفَى وأبِي جُحَيْفَةَ وأبِي سعِيدٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ علي حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ‏.‏ والعملُ على هذا عندَ بعض أهلِ العلمِ‏.‏

وبه يقولُ الشافعِيّ، قال‏:‏ يقولُ هذا في المكتوبة والتّطَوّعِ‏.‏

وقال بعضُ أهلِ الكوفةِ‏:‏ يقولُ هذا في صلاةِ التّطَوّعِ ولا يقولها في صلاةِ المكتوبةِ‏.‏

‏(‏قال أبو عيسى‏:‏ وانما يقال الماجشوني لأنه قد ولد بالماجشون‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الماجشون‏)‏ بكسر الجيم بعدها معجمة مضمومة هو لقب عبد العزيز بن عبد الله وهو معرب ماه كون أي شبه القمر أحد الأعلام، روى عن الزهري وابن المنكدر وخلق وعنه الليث وابن مهدي وخلق‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ثقة فقيه مصنف‏.‏ قلت‏:‏ هو مدني نزيل بغداد ‏(‏عن عمي‏)‏ هو يعقوب بن أبي سلمة، كذا في التقريب، وفيه ترجمة أنه صدوق ‏(‏عن عبيد الله بن أبي رافع المدني مولى النبي صلى الله عليه وسلم كان كاتب علي وهو ثقة‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال سمع الله لمن حمده‏)‏ معناه قبل حمد من حمد، واللام في ‏(‏لمن‏)‏ للمنفعة والهاء في ‏(‏حمده‏)‏ للكناية، وقيل للسكتة والاستراحة، ذكره ابن الملك‏.‏ وقال الطيبي أي أجاب حمده وتقبله، يقال‏:‏ اسمع دعائي أي أجب، لأن غرض السائل الإجابة والقبول انتهى‏.‏ فهو دعاء بقبول الحمد، كذا قيل، ويحتمل الإخبار ‏(‏ربنا ولك الحمد‏)‏ أي ربنا تقبل منا ولك الحمد على هدايتك إيانا لما يرضيك عنا، بناء على أن الواو عاطفة لا زائدة خلافاً للأصمعي‏.‏ وعطف الخبر على الإنشاء جوزه جمع من النحويين وغيرهم، وبتقدير اعتماد ما عليه الأكثرون من امتناعه فالخبر هنا بمعنى إنشاء الحمد لا الإخبار بأنه موجود إذ ليس فيه كبير فائدة ولا يحصل به الامتثال لما أمرنا به من الحمد ‏(‏ملء السماوات‏)‏ بالنصب هو أشهر كما في شرح مسلم صفة مصدر محذوف، وقيل حال أي حال كونه مالئا لتلك الأجرام على تقدير تجسيمه، وبالرفع صفة، الحمد والملء بالكسر اسم ما يأخذه الإناء إذا امتلأ، قال الجزري في النهاية‏:‏ هذا تمثيل لأن الكلام لا يسع الأماكن والمراد به كثرة العدد‏.‏ يقول لو قدر أن تكون كلمات الحمد أجساماً لبلغت من كثرتها أن تملأ السماوات والأرض، ويجوز أن يكون المراد به تفخيم شأن كلمة الحمد، ويجوز أن يريد به أجرها وثوابها انتهى ‏(‏وملء ماشئت من شيء بعد‏)‏ بضم الدال على البناء للقطع عن الإضافة ونية المضاف إليه أي بعد المذكور، وذلك كالكرسي والعرش وغيرهما مما لم يعلمه إلا الله، والمراد الاعتناء في تكثير الحمد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن عمر وابن عباد وابن أبي أوفى وأبي جحيفة وأبي سعيد‏)‏ أما حديث ابن عمر فأخرجه البخاري وأما حديث ابن عباس فأخرجه النسائي وأما حديث ابن أبي أوفى فأخرجه مسلم وابن ماجه، وأما حديث أبي جحيفة فأخرجه ابن ماجه، وأما حديث أبي سعيد فأخرجه مسلم والنسائي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث علي حديث حسن صحيح‏)‏ أخرجه الجماعة إلا البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال بعض أهل الكوفة يقول هذا في صلاة التطوع ولا يقوله في صلاة المكتوبة‏)‏ وهو قول الحنفية لا دليل على هذا القول، والصحيح ما قاله الشافعي وغيره فإن حديث علي هذا قد أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات من ثلاثة وجوه، ووقع في إحداها إذا قام إلى الصلاة المكتوبة، وكذلك وقع في رواية لأبي داود، ووقع في رواية للدارقطني إذا ابتدأ الصلاة المكتوبة‏.‏ وقال الشوكاني في النيل‏:‏ وأخرجه أيضاً ابن حبان وزاد‏:‏ إذا قام إلى الصلاة المكتوبة، كذا رواه الشافعي وقيده أيضاً بالمكتوبة وكذا غيرهما انتهى‏.‏ فثبت بهذه الروايات أن قول الشافعي وغيره‏:‏ يقول هذا في المكتوبة والتطوع حق وصواب، وأن قول بعض أهل الكوفة‏:‏ يقول هذا في صلاة التطوع ولا يقوله في صلاة المكتوبة ليس بصحيح‏.‏

195- باب منهُ آخَر

264- حدثنا اسحَق بن موسى الأنصاريّ حدثنا معْنٌ حدثنا مالكٌ عن سُمَي عن أبِي صالحٍ عن أَبِي هُرَيْرَةَ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏إذا قالَ الإمامُ‏:‏ سَمِعَ الله لمن حَمدَهُ، فقولُوا‏:‏ رَبّنَا ولكَ الحمدُ، فإنّه مَن وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الملائكَةِ غُفِرَ لهُ ما تَقَدّمَ من ذَنْبِهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ‏.‏

والعملُ عليه عند بعضِ أهلِ العلمِ من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم ومَن بعدهم‏:‏ أن يقولَ الإمامُ ‏"‏سَمِعَ الله لمن حَمدَهُ‏.‏ ‏(‏ربنا ولك الحمد‏)‏ ويقولُ مَنْ خلْفَ الإمامِ ‏"‏رَبّنَا ولكَ الحمدُ‏"‏‏.‏

وبه يقولُ أحمدُ وقال ابنُ سيِرينَ وغيرُه‏:‏ يقولُ مَن خَلْفَ الإمامِ ‏"‏سَمِعَ الله لمن حَمدَهُ، رَبّنَا ولكَ الحمدُ‏"‏ مثلَ ما يقولُ الإمامُ‏.‏ وبه يقولُ الشافعيّ وإسحاقُ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الأنصاري‏)‏ هو أسحاق بن موسى الأنصاري ‏(‏عن سمي‏)‏ بضم السين المهملة وبفتح الميم وشدة الياء مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث المخزومي ثقة ‏(‏عن أبي صالح‏)‏ اسمه ذكوان السمان الزيات ثقة ثبت من أوساط التابعين‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏فقولوا ربنا ولك الحمد‏"‏ بالواو بعد ربنا وفي رواية للبخاري فقولوا اللهم ربنا ولك الحمد، وبوب عليه البخاري‏:‏ باب فضل اللهم ربنا ولك الحمد‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ وفيه رد على ابن القيم حيث جزم بأنه لم يرد الجمع بين اللهم والواو في ذلك انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏فإنه من وافق قوله قول الملائكة‏"‏ أي في الزمان، والظاهر أن المراد بالملائكة جميعهم واختاره ابن بزيزة، وقيل الحفظة منهم وقيل الذين يتعلمون منهم إذا قلنا إنهم غير الحفظه‏.‏ والذي يظهر أن المراد بهم من يشهد تلك الصلاة من الملائكة ممن في الأرض أو في السماء، قاله الحافظ في الفتح ‏"‏غفر له ما تقدم من ذنبه‏"‏ ظاهره غفران جميع الذنوب الماضية، وهو محمول عند العلماء على الصغائر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وبه يقول أحمد‏)‏ أي قول الإمام أحمد بأن الإمام يقول‏:‏ سمع الله لمن حمده فقط، والمؤتم يقول‏:‏ ربنا ولك الحمد فقط، وهو قول مالك وأبي حنيفة، واستدل هؤلاء بحديث الباب قال الحافظ في الفتح‏:‏ استدل به ‏(‏أي بحديث أبي هريرة إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد‏)‏ على أن الإمام لا يقول ربنا ولك الحمد، وعلى أن المأموم لا يقول سمع الله لمن حمده، لكون ذلك لم يذكر في هذه الرواية كما حكاه الطحاوي، وهو قول مالك وأبي حنيفة، وفيه نظر، لأنه ليس فيه ما يدل على النفي، بل فيه أن قول المأموم‏:‏ ربنا ولك الحمد يكون عقب قول الإمام‏:‏ سمع الله لمن حمده، والواقع في التصوير ذلك، لأن الإمام يقول التسميع في حال انتقاله، والمأموم يقول التحميد في حال اعتداله، فقوله يقع عقب قول الإمام ما في الخبر‏.‏ وهذا الموضع يقرب من مسألة التأمين، فإنه لا يلزم من قوله‏:‏ إذا قال ولا الضالين فقولوا آمين أن الإمام لا يؤمن بعد قوله ولا الضالين، وليس فيه أن الإمام يؤمن كما أنه ليس في هذا أنه يقول ربنا ولك الحمد، لكنهما مستفادان من أدلة أخرى صحيحة صريحة‏.‏ قال‏:‏ وأما ما احتجوا به من حيث المعنى من أن المعنى سمع الله لمن حمده طلب التحميد فيناسب حال الإمام وأما المأموم فتناسبه الإجابة بقوله‏:‏ ‏(‏ربنا ولك الحمد‏)‏‏.‏ ويقويه حديث أبي موسى الأشعري عند مسلم وغيره ففيه وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد يسمع ما ذكرتم، فجوابه أن يقال‏:‏ لا يدل ما ذكرتم على أن الإمام لا يقول‏:‏ ربنا ولك الحمد إنما يمتنع أن يكون طالباً ومجيباً، وهو نظير ما تقدم في مسألة التأمين من أنه لا يلزم من كون الإمام داعياً والمأموم مؤمناً أن لا يكون الإمام مؤمناً‏.‏ وقضية ذلك أن الإمام يجمعهما، وهو قول الشافعي وأحمد وأبي موسى ومحمد والجمهور‏.‏ والأحاديث الصحيحة تشهد له، وزاد الشافعي أن المأموم يجمعهما بينهما أيضاً لكن لم يصح في ذلك شيء، وأما المنفرد فحكى الطحاوي وابن عبد البر الإجماع على أنه يجمع بينهما وجعله الطحاوي حجة لكون الإمام يجمع بينهما للاتفاق على اتحاد حكم الإمام والمنفرد، لكن أشار صاحب الهداية إلى خلاف عندهم في المنفرد انتهى كلام الحافظ باختصار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن سيرين وغيره‏:‏ يقول من خلف الإمام‏:‏ سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد الخ‏)‏ احتج هؤلاء بحديث أبي هريرة‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة، وفيه ثم يقول‏:‏ ‏(‏سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركعة، ثم يقول وهو قائم ربنا ولك الحمد الخ‏)‏ بانضمام قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ صلوا كما رأيتموني أصلي، واستدلوا أيضاً بما أخرجه الدارقطني عن أبي هريرة قال‏.‏ كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سمع الله لمن حمده قال من وراءه سمع الله لمن حمده‏.‏ لكن قد صرح الدارقطني بأن المحفوظ لفظ‏:‏ إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فليقل من وراءه‏:‏ اللهم ربنا ولك الحمد، واستدلوا أيضاً بما أخرجه الدارقطني عن بريدة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ يا بريدة إذا رفعت رأسك من الركوع فقل‏:‏ سمع الله لمن حمده اللهم ربنا ولك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، وظاهره عدم الفرق بين كونه منفرداً أو إماماً أو مأموماً ولكن سنده ضعيف‏.‏ وليس في جمع المأموم بين التسميع والتحميد حديث صحيح صريح كما قال الحافظ والله تعالى أعلم‏.‏

196- باب ما جاءَ في وضعِ الركبتين قبل اليدين في السجود

‏(‏باب ما جاء في وضع الركبتين قبل اليدين في السجود‏)‏ وفي بعض النسخ‏:‏ باب ما جاء في وضع الركبتين قبل اليدين، وهذا هو يطابقه حديث الباب‏.‏

265- حدثنا سَلَمَةُ بن شَبِيبٍ وأحمدُ بنُ إبراهيمَ الدّوْرَقِيّ و الحسنُ بن عليَ الحُلْوَانِيّ و عبدُ الله بنُ مُنِيرٍ وغيرُ واحدٍ، قالوا‏:‏ حدثنا يزيدُ بنُ هارونَ أخبرنا شَرِيكٌ عن عاصمِ بن كُلَيْبٍ عن أبيه عن وائل بن حُجْرٍ قال‏:‏ ‏"‏رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إذا سجدَ يَضَعُ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يدِيهِ، وإذا نَهَضَ رفعَ يديه قبلَ رُكْبَتَيْهِ‏"‏‏.‏

‏(‏قال‏)‏ زادَ الحسنُ بنُ علي في حديثه‏:‏ قال يزيدُ بن هارونَ‏:‏ ولم يَرْوِ شَرِيكٌ عن عاصمِ ابن كُلَيْبٍ إلاّ هذا الحديثَ‏.‏

قال ‏(‏ابو عيس‏)‏‏:‏ هذا حديثٌ حَسنٌ غريبٌ، لا نعرف أحداً رواهُ مثل هذا عن شَرِيكٍ‏.‏ والعملُ عليه عند أكثرَ أهلِ العلمِ‏:‏ يَرَوْنَ أن يَضَعَ الرجلُ رُكْبَتَيْهِ قبل يديهِ‏.‏

وإذا نَهَضَ رفعَ يَدَيهِ قبلَ ركُبَتَيْهِ‏.‏

ورَوَى هَمّامٌ عن عاصمٍ هذا مُرْسَلاً، ولم يذْكُرْ فيه وائلَ بنَ حُجْرٍ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سلمة بن شبيب النيسابوري أبو عبد الله الحافظ نزيل مكة، روى عنه مسلم والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه، قال أبو حاتم‏:‏ صدوق، وقال أبو نعيم‏:‏ أحد الثقات وعبد الله بن منير‏)‏ بضم الميم وكسر النون آخره راء مهملة أبو عبد الرحمن المروزي الزاهد ثقة عابد، روى عنه البخاري وقال لم أر مثله والترمذي والنسائي ووثقه ‏(‏وأحمد بن إبراهيم الدورقي‏)‏ النكري بضم النون البغدادي ثقة حافظ ‏(‏حدثنا يزيد بن هارون‏)‏ ابن زاذان السلمي مولاهم أبو خالد الواسطي ثقة متقن عابد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا سجد يضع ركبتيه قبل يديه‏)‏ استدل به من قال بوضع الركبتين قبل اليدين لكن الحديث ضعيف كما ستعرف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب حسن لا نعرف أحداً رواه غير شريك‏)‏ في كون هذا الحديث حسناً نظر، فإنه قد تفرد به شريك وهو ابن عبد الله النخعي الكوفي صدوق يخطيء كثير، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة‏.‏ وقال الدارقطني في سننه بعد رواية هذا الحديث‏:‏ تفرد به يزيد عن شريك ولم يحدث به عن عاصم بن كليب غير شريك، وشريك ليس بالقوي فيما ينفرد به انتهى‏.‏ وقال المنذري في تلخيص السنن‏:‏ قال أبو بكر البيهقي‏:‏ هذا حديث يعد في أفراد شريك القاضي وإنما تابعه همام مرسلاً هكذا ذكره البخاري وغيره من الحفاظ المتقدمين، هذا آخر كلامه‏.‏ وشريك هذا هو ابن عبد الله النخعي القاضي وفيه مقال، وقد أخرج له مسلم متابعة انتهى كلام المنذري‏.‏ وقال الحافظ الحازمي في كتاب الاعتبار بعد رواية هذا الحديث من طريق شريك عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل ما لفظه‏:‏ ورواه همام بن يحيى عن محمد بن جحادة عن عبد الجبار بن وائل عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ قال همام‏:‏ وثنا شقيق يعني أبا الليث عن عاصم بن كليب عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً وهو المحفوظ انتهى كملا الحازمي‏.‏ قلت‏:‏ طريق همام بن يحيى عن محمد بن جحادة منقطع، فإن عبد الجبار لم يسمع عن أبيه، وطريق همام عن شقيق أيضاً ضعيف، فإن شقيقاً أبا الليث مجهول‏.‏ قال في التقريب‏.‏ شقيق أبو الليث عن عاصم بن كليب مجهول انتهى‏.‏ وقال في الميزان‏:‏ شقيق عن عاصم بن كليب وعنه همام لا يعرف انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والعمل عليه عند أكثر أهل العلم يرون أن يضع الرجل ركبتيه قبل يديه إلخ‏)‏ قال الحازمي في كتاب الاعتبار‏:‏ قال ابن المنذر‏:‏ وقد اختلف أهل العلم في هذا الباب، فممن رأى أن يضع ركبتيه قبل يديه عمر بن الخطاب، وبه قال النخعي ومسلم ابن يسار وسفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو حنيفة وأصحابه وأهل الكوفة‏.‏ وقالت طائفة‏:‏ يضع يديه إلى الأرض إذا سجد قبل ركبتيه، كذلك قال مالك‏.‏ وقال الأوزاعي‏:‏ أدركت الناس يضعون أيديهم قبل ركبهم انتهى‏.‏ وقال البخاري في صحيحه‏:‏ قال نافع‏:‏ كان ابن عمر يضع يديه قبل ركبتيه انتهى‏.‏ وقال الشوكاني في النيل‏:‏ وذهبت العترة والأوزاعي ومالك وابن حزم إلى استحباب وضع اليدين قبل الركبتين، وهي رواية عن أحمد، وروى الحازمي عن الأوزاعي أنه قال‏:‏ أدركت الناس يضعون أيديهم قبل ركبهم‏.‏ قال ابن أبي داود‏:‏ وهو قول أصحاب الحديث انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وروى همام عن عاصم هذا مرسلاً ولم يذكر فيه وائل ابن حجر‏)‏ قال الحافظ في التلخيص بعد نقل قول الترمذي هذا ما لفظه‏:‏ وقد تعقب قول الترمذي أن هماماً إنما رواه عن شقيق عن عاصم عن أبيه مرسلاً انتهى‏.‏ قلت‏:‏ الأمر كما قال الحافظ كما عرفت فيما تقدم في كلام الحازمي‏.‏

197- باب آخرُ منه

266- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا عبدُ الله بنُ نافعٍ عن محمد بن عبد الله بن حسَنٍ عن أبي الزّنَاد عن الأعرج عن أَبِي هُرَيْرَةَ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏يَعْمِدُ أحَدُكُمْ فَيَبرُكُ في صلاتِهِ بَرْكَ الْجَمَلِ‏؟‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ أبي هريرةَ حديثٌ غريبٌ لا نعرفه من حديثِ أبي الزّنّادِ إلاّ من هذا الوجهِ‏.‏

وقد رُوِيَ هذا الحديثُ عن عبدِ الله بن سعيدٍ المقْبُرِيّ عن أبيهِ عن أبي هريرةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

وعبدُ الله بن سعيدٍ المقبُرِيّ ضعّفَهُ يحيى بنُ سعيدٍ القَطّانُ وغيرُه‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏يعمد أحدكم فيبرك في صلاته برك الجمل‏"‏ بتقدير همزة الاستفهام الإنكاري، أي أيعمد أحدكم فيضع ركبتيه قبل يديه في الصلاة كما يضع البعير ركبتيه قبل يديه، أي لا يفعل هكذا بل يضع يديه قبل ركبتيه‏.‏ وفي رواية أحمد وأبي داود والنسائي‏:‏ إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه انتهى‏.‏ قال القاري في شرح المشكاة في شرح هذا الحديث ‏"‏إذا سجد أحدكم فلا يبرك‏"‏ نهي وقيل نفي ‏"‏كما يبرك البعير‏"‏ أي لا يضع ركبتيه قبل يديه كما يبرك البعير، شبه ذلك ببروك البعير مع أنه يضع يديه قبل رجليه لأن ركبة الإنسان في الرجل وركبة الدواب في اليد، إذا وضع ركبتيه أولا فقد شابه الإبل في البروك ‏"‏وليضع‏"‏ بسكون اللام وتكسر ‏"‏يديه قبل ركبتيه‏"‏ قال التوربشتي‏:‏ كيف نهى عن بروك البعير ثم أمر بوضع اليدين قبل الركبتين والبعير يضع اليدين قبل الرجلين‏؟‏ والجواب‏:‏ أن الركبة من الإنسان في الرجلين، ومن ذوات الأربع في اليدين انتهى كلام القاري‏.‏ والحديث استدل به من قال باستحباب وضع اليدين قبل الركبتين، وهو قول مالك، وهو قول أصحاب الحديث وقال الأوزاعي‏:‏ أدركت الناس يضعون أيديهم قبل ركبهم، وهي رواية عن أحمد كما عرفت هذا كله في الباب المتقدم‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ قال مالك‏:‏ هذه الصفة أحسن في خشوع الصلاة وبه قال‏:‏ وعن مالك وأحمد رواية بالتخيير انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي هريرة حديث غريب لا نعرفه من حديث أبي الزناد إلا من هذا الوجه‏)‏ حديث أبي هريرة هذا أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وسكت عنه أبو داود‏.‏ قال الحازمي في كتاب الاعتبار بعد روايته‏:‏ وهو على شرط أبي داود والترمذي والنسائي أخرجوه في كتبهم انتهى‏.‏ وقال القاري في المرقاة‏:‏ قال ابن حجر‏:‏ سنده جيد انتهى‏.‏ قلت‏:‏ حديث أبي هريرة هذا صحيح أو حسن لذاته رجاله كلهم ثقات، فأما قتيبة فهو ابن سعيد بن جميل الثقفي أبو رجاء البغلاني ثقة ثبت كذا في التقريب، وأما عبد الله بن نافع فهو الصائغ أبو محمد المدني وثقه ابن معين والنسائي كذا في الخلاصة وأما محمد بن عبد الله بن الحسن فوثقه النسائي قاله الخزرجي‏.‏ وقال الحافظ‏:‏ يلقب بالنفس الزكية ثقة من السابعة‏.‏ وأما أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة فقال البخاري‏:‏ أصح الأسانيد أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قاله الخزرجي‏.‏

فإن قلت‏:‏ قال الحافظ في التقريب في ترجمة عبد الله بن نافع الصائغ ثقة صحيح الكتاب في حفظة لين انتهى، فإذا كان في حفظه لين فكيف يكون حديثه صحيحاً‏.‏

قلت‏:‏ قد عرفت أنه قد وثقه إمام الجرح والتعديل يحيى بن معين، ووثقه أيضاً النسائي، ثم هو ليس متفرداً برواية هذا الحديث، بل تابعه عبد العزيز بن محمد الدراوردي عند الدارقطني‏:‏ قال في سننه‏:‏ حدثنا أبو بكر بن أبي داود ثنا محمود بن خالد ثنا مروان بن محمد حدثنا عبد العزيز بن محمد ثنا محمد بن عبد الله بن الحسن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إذا سجد أحدكم فليضع يديه قبل رجليه ولا يبرك بروك البعير‏.‏ حدثنا أبو سهل بن زياد ثنا إسماعيل بن إسحاق ثنا أبو ثابت محمد بن عبد الله ثنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عبد الله بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ إذا سجد أحدكم فليضع يديه قبل ركبتيه ولا يبرك بروك الجمل انتهى‏.‏ وقال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام‏:‏ وهو أقوى من حديث وائل ابن حجر، فإن للأول شاهداً من حديث ابن عمر صححه ابن خزيمة وذكره البخاري معلقاً موقوفاً انتهى كلام الحافظ‏.‏ وقال الحافظ ابن سيد الناس‏:‏ أحاديث وضع اليدين قبل الركبتين أرجح وقال‏:‏ ينبغي أن يكون حديث أبي هريرة داخلاً في الحسن على رسم الترمذي لسلامة رواته عن الجرح انتهى‏.‏ وقال ابن التركماني في الجوهر النقي‏:‏ والحديث المذكور أولا يعني وليضع يديه ثم ركبتيه دلالة قولية، وقد تأيد بحديث ابن عمر فيمكن ترجيحه على حديث وائل لأن دلالته فعلية على ما هو الأرجح عند الأصوليين انتهى ورجح القاضي أبو بكر بن العربي في عارضة الأحوذي حديث أبي هريرة على حديث وائل من وجه آخر فقال‏:‏ الهيئة التي رأى مالك ‏(‏وهي الهيئة التي هي مروية في حديث أبي هريرة‏)‏ منقولة في صلاة أهل المدينة فترجحت بذلك على غيره انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد روي هذا الحديث عن عبد الله بن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ رواه ابن أبي شيبة في مصنفه والطحاوي في شرح الآثار بلفظ‏:‏ إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه ولا يبرك كبروك الفحل‏.‏ ‏(‏وعبد الله بن سيعد المقبري ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره‏)‏ قال ابن معين‏:‏ ليس بشيء، وقال مرة‏:‏ ليس بثقة، وقال الفلاس‏:‏ منكر الحديث متروك، وقال يحيى بن سعيد‏:‏ استبان كذبه في مجلس، وقال الدارقطني‏:‏ متروك ذاهب، وقال أحمد مرة ليس بذاك، ومرة قال‏:‏ متروك، وقال فيه البخاري‏:‏ تركوه كذا في الميزان‏.‏

اعلم أن الحنفية والشافعية وغيرهم الذين ذهبوا إلى استحباب وضع الركبتين قبل اليدين أجابوا عن حديث أبي هريرة المذكور في الباب بوجوه عديدة كلها مخدوشة‏.‏

الأول‏:‏ أن حديث أبي هريرة هذا منسوخ بما رواه ابن خزيمة عن مصعب بن سعد سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال‏:‏ كنا نضع اليدين قبل الركبتين فأمرنا أن نضع الركبتين قبل اليدين وفيه أن دعوى النسخ بحديث سعد بن أبي وقاص باطلة، فإن هذا الحديث ضعيف‏:‏ قال الحازمي في كتاب الاعتبار‏:‏ أما حديث سعد ففيه إسناده مقال، ولو كان محفوظاً لدل على النسخ غير أن المحفوظ عن مصعب عن أبيه حديث نسخ التطبيق انتهى قلت‏:‏ وفي إسناده إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل وهو يرويه عن أبيه وقد تفرد به عنه وهما ضعيفان لا يصلحان للاحتجاج‏.‏ قال في الخلاصة في ترجمة إبراهيم ابن إسماعيل‏:‏ اتهمه أبو زرعة‏.‏ وقال في التقريب في ترجمة إسماعيل والد إبراهيم متروك‏.‏

الثاني‏:‏ أن في حديث أبي هريرة قلباً من الراوي وكان أصله‏:‏ وليضع ركبتيه قبل يديه، ويدل عليه أول حديث وهو قوله‏:‏ فلا يبرك كما يبرك البعير، فإن المعروف من بروك البعير هو تقديم اليدين على الرجلين قاله ابن القيم في زاد المعاد وقال‏:‏ ولما علم أصحاب هذا القول ذلك قالوا ركبتا البعير في يديه لا في رجليه، فهو إذا برك وضع ركبتيه أو فهذا هو المنهي عنه، قال وهو فاسد وحاصلها أن البعير إذا برك يضع يديه، ورجلاه قائمتان وهذا هو المنهي عنه، وأن القول بأن ركبتي البعير في يديه لا يعرفه أهل اللغة وأنه لو كان الأمر كما قالوا لقال النبي صلى الله عليه وسلم فليبرك كما يبرك البعير، لأن أول ما يمس الأرض من البعير يداه انتهى‏.‏

وفيه أن قوله‏:‏ في حديث أبي هريرة قلب من الراوي فيه نظر، إذ لو فتح هذا الباب لم يبق اعتماد على رواية راو مع صحته‏.‏ وأما قوله‏:‏ كون ركبتين البعير في يديه لا يعرفه أهل اللغة، ففيه أنه قد وقع في حديث هجرة النبي صلى الله عليه وسلم قول سراقة ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغنا الركبتين، رواه البخاري في صحيحه، فهذا دليل واضح على أن ركبتين البعير تكونان في يديه‏.‏ وأما قوله‏:‏ لو كان الأمر كما قالوا لقال النبي صلى الله عليه وسلم فليبرك كما يبرك البعير ففيه أنه لما ثبت أن ركبتي البعير تكونان في يديه، ومعلوم أن ركبتين الإنسان تكونان في رجليه، وقد قال صلى الله عليه وسلم في آخر هذا الحديث وليضع يديه قبل ركبتيه، فكيف يقول في أوله فليبرك كما يبرك البعير أي فليضع ركبتيه قبل يديه‏.‏

والثالث‏:‏ أن حديث أبي هريرة ضعيف، فإن الدارقطني قال‏:‏ تفرد به الدراوردي عن محمد بن عبد الله بن حسن انتهى، والدراوردي وإن وثقه يحيى بن معين وعلي بن المديني وغيرهما لكن قال أحمد بن حنبل‏:‏ إذا حدث من حفظه يهم، وقال أبو زرعة‏:‏ سيء الحفظ فتفرد الدراوردي عن محمد بن عبد الله مورث للضعف‏.‏ وقال البخاري‏:‏ محمد بن عبد الله بن الحسن لا يتابع عليه، وقال لا أدري أسمع من أبي الزناد أم لا أنتهي‏.‏

وفيه‏:‏ أن حديث أبي هريرة صحيح صالح للاحتجاج كما عرفت‏:‏ وأما قول الدارقطني‏:‏ تفرد به الدراوردي عن محمد بن عبد الله بن الحسن فليس بصحيح، بل قد تابعه عبد الله بن نافع عند أبي داود والنسائي‏.‏ قال المنذري‏:‏ وفي ما قال الدارقطني نظر، فقد روى نحوه عبد الله بن نافع عن محمد بن عبد الله وأخرجه أبو داود والنسائي من حديثه ثم تفرد الدراوردي ليس مورثاً للضعف لأنه قد احتج به مسلم وأصحاب السنن ووثقه إمام هذا الشأن يحيى بن معين وعلي بن المديني وغيرهما‏.‏ وأما قول البخاري‏:‏ محمد بن عبد الله بن الحسن لا يتابع عليه فليس بمضر فإنه ثقة ولحديثه شاهد من حديث ابن عمر وصححه ابن خزيمة‏.‏ قال ابن التركماني في الجوهر النقي‏:‏ محمد بن عبد الله وثقه النسائي وقول البخاري لا يتابع على حديثه ليس بصريح في الجرح فلا يعارض توثيق النسائي انتهى، وكذا لا يضر قوله لا أدري أسمع من أبي الزناد أم لا، فإن محمد بن عبد الله ليس بمدلس وسماعه من أبي الزناد ممكن فإنه قتل سنة 145 خمس وأربعين ومائة وهو ابن خمس وأربعين وأبو الزناد مات سنة 130 ثلاثين ومائة، فيحمل عنعنته على السماع عند جهود المحدثين‏.‏

والرابع‏:‏ أن حديث أبي هريرة مضطرب فإنه رواه ابن أبي شيبة في مصنفه والطحاوي في شرح الآثار عن عبد الله بن سعيد عن جده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه ولا يبرك كبروك الفحل، فهذه الرواية تخالف الرواية التي رواها الترمذي وغيره بحيث لا يمكن الجمع بينهما والاضطراب مورث للضعف‏.‏

وفيه أن رواية ابن أبي شيبة والطحاوي هذه ضعيفة جداً فإن مدارها على عبد الله بن سعيد وقد عرفت حاله في هذا الباب فلا اضطراب في حديث أبي هريرة، فإن من شرط الإضطراب استواء وجوه الاختلاف، ولا تعل الرواية الصحيحة بالرواية الضعيفة الواهية كما تقرر في مقره‏.‏

والخامس‏:‏ أن حديث وائل بن حجر أقوى وأثبت من حديث أبي هريرة‏:‏ قال ابن تيمية في المنتقى‏:‏ قال الخطابي‏:‏ حديث وائل بن حجر أثبت من هذا انتهى‏.‏ فحديث وائل هو الأولى بالعمل‏:‏ وفيه أن في كون حديث وائل أثبت من حديث أبي هريرة نظراً، فإن حديث وائل ضعيف كما عرفت، ولو سلم أنه حسن كما قال الترمذي فلا يكون هو حسناً لذاته بل لغيره لتعدد طرقه الضعاف‏:‏ وأما حديث أبي هريرة فهو صحيح أو حسن لذاته، ومع هذا فله شاهد من حديث ابن عمر صححه ابن خزيمة، وقد عرفت قول الحافظ ابن حجر وابن سيد الناس وابن التركماني والقاضي أبي بكر ابن العربي في ترجيح حديث أبي هريرة على حديث وائل بن حجر، فالقول الراجح أن حديث أبي هريرة أثبت وأقوى من حديث وائل‏.‏

فإن قيل‏:‏ إن كان لحديث أبي هريرة شاهد فلحديث وائل شاهدان‏:‏ أحدهما ما رواه الدارقطني والحاكم والبيهقي عن عاصم الأحول عن أنس قال‏:‏ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم انحط بالتكبير فسبقت ركبتاه يديه، قال الحاكم‏:‏ هو على شرطهما ولا أعلم له علة، وثانيهما‏.‏ ما أخرجه ابن خزيمة في صحيحه عن مصعب ابن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال‏.‏ كنا نضع اليدين قبل الركبتين فأمرنا أن الركبتين قبل اليدين‏.‏

يقال‏:‏ هذان الحديثان لا يصلحان أن يكونا شاهدين لحديث وائل أما حديث أنس فلأنه قد تفرد به العلاء بن إسماعيل العطار وهو مجهول قاله البيهقي، وقال الدارقطني‏:‏ تفرد به العلاء بن إسماعيل عن حفص بن غياث وهو مجهول انتهى‏.‏ وحفص بن غياث ساء حفظة في الاَخر‏:‏ صرح به الحافظ في مقدمة الفتح‏:‏ وقال الذهبي في الميزان‏:‏ قال أبو زرعة‏:‏ ساء حفظة بعد ما استقضى فمن كتب عنه من كتابه فهو صالح انتهى وأما حديث سعد بن أبي وقاص فقد عرفت فيما سبق أنه قد تفرد به إبراهيم بن إسماعيل، وإبراهيم هذا أتهمه أبو زرعة وأبوه اسمعيل متروك وأن المحفوظ عن مصعب عن أبيه نسخ التطبيق‏.‏

فالحاصل‏:‏ أن حديث أبي هريرة صحيح أو حسن لذاته وهو أقوى وأثبت وأرجح من حديث وائل هذا عندي والله تعالى أعلم‏.‏

198- باب ما جاءَ فِي السّجودِ عَلَى الْجَبْهَةِ والأنْف

267- حَدّثَنَا محمد بن بشار بُنْدَارُ حدثنا أبو عَامِرٍ ‏(‏العقدي‏)‏ حدثنا فُلَيْحُ بنُ سُلَيْمانَ حدثني عَبّاسُ بنُ سَهْلٍ عن أبِي حُمَيدٍ السّاعِدِيّ‏:‏ ‏"‏أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كانَ إذَا سَجَدَ أمْكَنَ أنْفَهُ وجَبْهَتَهُ ‏(‏من‏)‏ الأرْضَ، ونحّى يَدَيْهِ عن جَنْبَيْهِ، وَوَضَعَ كَفّيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وفي البابِ عن ابنِ عباسٍ، ووائلِ بنِ حُجْرٍ وأبِي سعيد‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ أبي حُمَيْدٍ حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ‏.‏

والعملُ عَلَيه عندَ أهلِ العلمِ‏:‏ أن يسجد الرّجُلُ عَلَى جَبْهَتِهِ وأنْفِهِ‏.‏ فإنْ سَجَدَ عَلَى جبْهَتِهِ دُونَ أنْفِهِ‏:‏ فَقد قَالَ قَومٌ مِنْ أهلِ العلمِ‏:‏ يُجْزِئُهُ، وَقَالَ غيرُهُم‏:‏ لا يُجْزِئُهُ حتى يَسْجُدَ عَلَى الْجَبْهَةِ والأنفِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثنا أبو عامر‏)‏ العقدي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان إذا سجد أمكن أنفه وجبهته الأرض‏)‏ قال في القاموس‏:‏ مكنته من الشيء أو أمكنته منه فتمكن وأستمكن وقال في الصراح تمكين بأي برجا كردن، وكذا الإمكان، يقال مكنة الله من الشيء وأمكنه منه بمعنى انتهى، وفيه أن يضع المصلى جبهته وأنفه في السجود على الأرض ‏(‏ونحى يديه‏)‏ أي أبعدهما، من نحى ينحى تنحية ‏(‏ووضع كفيه حذو منكبيه‏)‏ فيه مشروعية وضع اليدين في السجود حذو المنكبين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن عباس ووائل بن حجر وأبي سعيد‏)‏ أما حديث ابن عباس فأخرجه الشيخان ولفظه‏:‏ أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة أعضاء ولا يكف شعراً ولا ثوباً‏:‏ الجبهة واليدين والركبتين والرجلين‏.‏ وفي لفظ‏:‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أمرت أن أسجد على سبعة أعظم‏:‏ على الجبهة، وأشار بيده على أنفه، واليدين والركبتين والقدمين‏.‏ وفي رواية أمر أن أسجد على سبع ولا أكفت الشعر ولا الثياب‏:‏ الجبهة والأنف واليدين والركبتين والقدمين رواه مسلم والنسائي كذا في المنتقى‏:‏ وأما حديث وائل بن حجر فأخرجه أحمد ولفظه‏:‏ قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد على الأرض واضعاً جبهته وأنفه في سجوده‏.‏ وأما حديث أبي سعيد فأخرجه الشيخان وفيه فصلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم حتى رأيت أثر الطين والماء على جبهة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرنبته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي حميد حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أبو داود، وأخرجه بهذا اللفظ أيضاً ابن خزيمة في صحيحه كذا في النيل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والعمل عليه عند أهل العلم أن يسجد على جبهته وأنفه، فإن سجد على جبهته دون أنفه فقال قوم من أهل العلم بجزئه الخ‏)‏ قال النووي في شرح مسلم‏:‏ في الأحاديث فوائد‏:‏ منها أن أعضاء السجود وأنه ينبغي للساجد أن يسجد عليها كلها وأن يسجد على الجبهة والأنف جميعاً، فأما الجبهة فيجب وضعها مكشوفة على الأرض، ويكفي بعضها، والأنف مستحب، فلو تركه جاز ولو اقتصر عليه وترك الجبهة لم يجز، هذا مذهب الشافعي ومالك والأكثرين، وقال أبو حنيفة وابن القاسم من أصحاب مالك‏:‏ له أن يقتصر على أيهما شاء‏.‏ وقال أحمد رحمه الله وابن حبيب من أصحاب مالك‏:‏ يجب أن يسجد على الجهة والأنف جميعاً لظاهر الحديث‏:‏ قال الأكثرون‏:‏ بل ظاهر الحديث أنهما في حكم عضو واحد، لأنه قال في الحديث سبعة، فإن جعلا عضوين صارت ثمانية، وذكر الأنف استحباباً انتهى‏.‏

قلت‏:‏ ذهب الجمهور إلى وجوب السجدة على الجبهة دون الأنف‏.‏ وقال أبو حنيفة إنه يجزيء السجود على الأنف وحدها‏.‏ وذهب الأوزاعي وأحمد وإسحاق وغيرهم إلى أنه يجب أن يجمعهما وهو قول الشافعي‏.‏ واستدل الجمهور برواية ابن عباس التي رواها الشيخان وغيرهما بلفظ‏:‏ أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة أعضاء ولا يكف شعراً ولا ثوباً‏:‏ الجبهة واليدين والركبتين والرجلين‏.‏ واستدل أبو حنيفة برواية ابن عباس التي رواها الشيخان بلفظ‏:‏ أمرت أن أسجد على سبعة أعظم‏:‏ على الجبهة وأشار على أنفه الخ، وجه الاستدلال أنه صلى الله عليه وسلم ذكر الجبهة وأشار إلى الأنف فدل على أنه المراد، ورده ابن دقيق العيد فقال‏:‏ إن الإشارة لا تعارض التصريح بالجبهة لأنها قد تعين المشار إليه بخلاف العبارة فإنها معينة‏.‏ وأستدل القائلون بوجوب الجمع بينهما برواية ابن عباس التي رواها مسلم والنسائي بلفظ‏:‏ أمرت أن أسجد على سبع ولا أكفت الشعر ولا الثياب‏:‏ الجبهة والأنف واليدين والركعتين والقدمين، لأن جعلهما كعضو واحد ولو كان كل واحد منهما عضواً مستقلاً للزم أن تكون الأعضاء ثمانية‏.‏ وتعقب بأنه يلزم منه أن يكتفي بالسجود على الأنف وحدها والجبهة وحدها فيكون دليلاً لأبي حنيفة، لأن كل واحد منهما بعض العضو وهو يكفي كما في غيره من الأعضاء، وأنت خبير بأن المشي على الحقيقة هو المتحتم، والمناقشة بالمجاز بدون موجب للمصير إليه غير ضائرة، ولا شك أن الجبهة والأنف حقيقة في المجموع، ولا خلاف أن السجود على مجموع الجبهة والأنف مستحب، وقد أخرج أحمد من حديث وائل قال‏:‏ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد على الأرض واضعاً جبهته وأنفه في سجوده‏.‏ وأخرج الدارقطني من طريق عكرمة عن ابن عباس قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا صلاة لمن لا يصيب أنفه من الأرض ما يصيب الجبين‏.‏ قال الدارقطني‏.‏ الصواب عن عكرمة مرسلاً‏.‏ وروى اسماعيل بن عبد الله المعروف بسمويه في فوائده عن عكرمة عن ابن عباس قال‏:‏ إذا سجد أحدكم فليضع أنفه على الأرض فإنكم قد أمرتم بذلك‏.‏ هذا تلخيص ما في النيل‏.‏

قلت‏:‏ الراجح عندي هو وجوب السجود على مجموع الجبهة والأنف والله تعالى أعلم‏.‏

199- باب مَا جَاءَ أيْنَ يَضَعُ الرّجُلَ وَجْهَهُ إذَا سَجَد

268- حَدّثَنَا قُتَيْبَةُ حدثنا حَفصُ بنُ غِيَاثٍ عن الْحَجّاجِ عَنْ أبي إسْحَاقَ قال‏:‏ ‏"‏قلْتُ للبَراءِ بنِ عازبٍ‏:‏ أيْنَ كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يَضَعُ وجْهَهُ إذَا سَجَدَ‏؟‏ فقَال‏:‏ بين كَفَيْهِ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عنْ وَائِلِ ‏(‏بنِ حُجْرٍ‏)‏ وأبي حُمَيْدٍ‏.‏

‏(‏قال أبو عيسى‏)‏‏:‏ حديثُ البَرَاءِ حديثٌ حسَنٌ ‏(‏صحيحٌ‏)‏ غَرِيبٌ‏.‏

هُوَ الّذي اختَارَهُ ‏(‏بَعْضُ‏)‏ أهلِ العلمِ‏:‏ أن تكُونَ يَدَاهُ قرِيباً مِنْ أذنَيْهِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن الحجاج‏)‏ بن أرطأة الكوفي أحد الفقهاء صدوق كثير الخطأ والتدليس ‏(‏عن أبي إسحاق‏)‏ السبيعي اسمه عمرو بن عبد الله ثقة عابد من الثالثة اختلط بآخره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال بين كفيه‏)‏ أي كان يضع وجهه بين كفيه‏.‏ وفي حديث أبي حميد الذي تقدم في الباب المتقدم‏:‏ وضع كفيه حذو منكبيه‏.‏ ولهذين الحديثين المختلفين وما في معناهما اختلف عمل أهل العلم، فبعضهم عملوا على حديث البراء هذا وما في معناه وبعضهم على حديث أبي حميد وما في معناه، والكل جائز وثابت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن وائل بن حجر وأبي حميد‏)‏ أما حديث وائل فأخرجه مسلم في صحيحه وفيه‏:‏ فلما سجد سجد بين كفيه‏.‏ وروى إسحاق بن راهويه في سنده‏:‏ أخبرنا الثوري عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال‏:‏ رمقت النبي صلى الله عليه وسلم فلما سجد وضع يديه حذاء أذنيه انتهى وكذلك رواه الطحاوي في شرح الآثار، ورواه عبد الرزاق في مصنفه أخبرنا الثوري به ولفظه‏:‏ كانت يداه حذو أذنيه، كذا في نصب الراية‏.‏ وأما حديث أبي حميد فأخرجه البخاري وفيه أنه عليه السلام لما سجد وضع كفيه حذو منكبيه‏.‏ أخرجه عن فليح عن عباس بن سهيل عن أبي حميد، ورواه أبو داود والترمذي ولفظهما‏:‏ كان إذا سجد مكن أنفه وجبهته، ونحى يديه عن جنبه، ووضع كفيه حذو منكبيه انتهى‏.‏ كذا في نصب الراية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث البراء حديث حسن‏)‏ وأخرجه الطحاوي في شرح الآثار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهو الذي اختاره بعض أهل العلم أن يكون يداه قريباً من أذنيه‏)‏ قال الطحاوي في شرح الآثار بعد ذكر حديث أبي حميد الساعدي ووائل بن حجر والبراء ما لفظه‏:‏ فكان كل من ذهب في الرفع في افتتاح الصلاة إلى المنكبين يجعل وضع اليدين في السجود حيال المنكبين أيضاً، وكل من ذهب في الرفع في افتتاح الصلاة إلى الأذنين يجعل وضع اليدين في السجود حيال الأذنين أيضاً‏.‏ وقد ثبت فيما تقدم من هذا الكتاب تصحيح قول من ذهب في الرفع في افتتاح الصلاة إلى حيال الأذنين، فثبت بذلك أيضاً قول من ذهب في وضع اليدين في السجود حيال الأذنين أيضاً، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى انتهى‏.‏ قال الزيلعي بعد ذكر كلام الطحاوي هذا‏:‏ ولم يجب الطحاوي عن حديث أبي حميد بشيء، قلت‏:‏ قد ذكرنا ما هو الأولى في الرفع في افتتاح الصلاة في موضعه‏.‏

200- باب مَا جَاءَ في السّجُودِ عَلَى سَبْعَةِ أعْضَاء

269- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا بكرُ بنُ مُضَرٍ عَنْ ابنِ الهَادِي عنْ مُحَمدِ بنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَامِر بنِ سَعْد بنِ أبي وَقّاصٍ عن العبّاسِ بنِ عبدِ المطّلِبِ أنّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ‏:‏ ‏"‏إذا سَجَدَ العبدُ سجدَ معَهُ سَبْعَةُ آرابٍ‏:‏ وجهُهُ وكفّاهُ ورُكْبَتَاهُ وَقَدَمَاهُ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وفي البابِ عن ابنِ عبّاسٍ وأَبِي هُرَيْرَةَ وجابِرٍ وأبي سعيدٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ العبّاسِ حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ‏.‏ وعليه العملُ عندَ أهلِ العلمِ‏.‏

270- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا حَمّادُ بنُ زيدٍ عن عمرِو بن دينارٍ عن طاوُسٍ عنْ ابنِ عباسٍ قال‏:‏ ‏"‏أُمِرَ النبيّ صلى الله عليه وسلم أنْ يَسْجُدَ على سبعةِ أعظم ولا يَكُفّ شَعْرَهُ وَلاَ ثِيَابَهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا بكر بن مضر‏)‏ بن محمد بن حكيم مولى شرحبيل بن حسنة المصري أبو محمد أو أبو عبد الملك ثقة ثبت من الثامنة‏.‏ روي عن جعفر بن ربيعة ويزيد بن حبيب وغيرهما وعنه ابن وهب وابن القاسم وقتيبة، مات سنة 174 أربع وسبعين ومائة ‏(‏عن ابن الهادي‏)‏ هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي أبو عبد الله المدني ثقة مكثر من الخامسة ‏(‏عن محمد بن إبراهيم‏)‏ بن الحارث بن خالد بن صخر التيمي المدني أبو عبد الله، قال الخزرجي‏:‏ أحد العلماء المشاهير عن أنس وجابر وعائشة في ت س فما أدري سمع منه أم لا فأرسل عن أسامة‏.‏ وعنه يزيد بن الهاد ويحيى بن أبي كثير ويحيى بن سعيد الأنصاري وعدة‏.‏ قال ابن سعد‏:‏ كان فقيهاً محدثاً‏.‏ وقال أحمد يروى أحاديث منكرة، ووثقه ابن معين والناس توفي سنة 120 عشرين ومائة ‏(‏عن عامر بن سعد ابن أبي وقاص‏)‏ الزهري المدين ثقة من الثالثة مات سنة 104 أربع ومائة ‏(‏عن ابن العباس ابن عبد المطلب‏)‏ عم النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سجد معه سبعة آراب‏)‏ بالمد جمع إرب بكسر أوله وإسكان ثانيه وهو العضو ‏(‏وجهه وكفاه‏)‏ إلخ بدل من سبعة آراب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن عباس وأبي هريرة وجابر وأبي سعيد‏)‏ أما حديث ابن عباس فأخرجه الشيخان عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أمرت أن أسجد على سبعة أعظم‏:‏ على الجبهة واليدين وأطراف القدمين ولا نكفت الثياب ولا الشعر‏:‏ وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الطبراني في الأوسط بلفظ قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ السجود على سبعة أعضاء‏.‏ قال الهيثمي‏:‏ فيه أبو أمية بن يعلى وهو ضعيف‏.‏ وأما حديث جابر وحديث أبي سعيد فلينظر من أخرجهما‏.‏ وفي الباب أيضاً عن عبد الله بن مسعود وسعد بن أبي وقاص ذكر حديثهما الهيثمي في مجمع الزوائد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث العباس حديث حسن صحيح‏)‏ أخرجه الجماعة إلا البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أمر‏)‏ قال الحافظ‏:‏ هو بضم الهمزة في جميع الروايات على البناء لما لم يسم فاعله وهو الله جل جلاله‏.‏ قال البيضاوي‏:‏ وعرف ذلك بالعرف، وذلك يقتضي الوجوب ونظره الحافظ قال‏:‏ لأنه ليس فيه صيغة أفعل وهو ساقط لأن لفظ أمر أدل على المطلوب من صيغة أفعل كما تقرر في الأصول، ولكن الذي يتوجه على القول باقتضائه الوجوب على الأمة أنه لا يتم إلا على القول بأن خطابه صلى الله عليه وسلم خطاب لأمته وفيه خلاف معروف‏.‏ ولا شك أن عموم أدلة التأسي تقتضي ذلك، وقد أخرجه البخاري في صحيحه من رواية شعبة عن عمرو بن دينار عن طاووس عن ابن عباس بلفظ‏:‏ أمرنا وهو دال على العموم كذا في النيل قوله‏:‏ ‏(‏ولا يكف‏)‏ أي لا يضم ولا يجمع قوله‏:‏ ‏(‏شعره‏)‏ أي شعر رأسه، وظاهره يقتضي أن النهي عنه في حال الصلاة، وإليه جنح الداؤدي ورده القاضي عياض بأنه خلاف ما عليه الجمهور، فإنهم كرهوا ذلك للمصلي، سواء فعله في الصلاة أو قبل أن يدخلها‏.‏

قال الحافظ‏:‏ واتفقوا على أنه لا يفسد الصلاة، لكن حكى ابن المنذر عن الحسن وجوب الإعادة‏.‏ قيل‏:‏ والحكمة في ذلك أنه إذا رفع ثوبه وشعره عن مباشرة الأرض أشبه المتكبرين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

201- باب مَا جَاءَ في التّجَافِي فِي السّجُود

271- حدثَنَا أبو كُرَيْبٍ حدثنا أبو خالدٍ الأحمَرُ عن داودَ بنِ قَيْسٍ عن عُبْيدِ الله بنِ عبد الله بن الأقْرَمَ الخُزَاعِيّ عن أبيه قال‏:‏ ‏"‏كنتُ مع أبي بالقاع من نَمِرَةَ فَمَرّتْ رَكْبةٌ، فإذا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي قال فكنتُ أنظرُ إلى عُفْرَتَيْ إبْطَيْهِ إذا سَجَدَ أي بياضَه‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وفي البابِ عن ابنِ عباسٍ وابن بُحَيْنَةَ وجابرِ وأحمرَ بن جزء وميمونةَ وأبي حُمَيدٍ و ابن مسعود وابن اسيد، وسهلِ بنِ سعد ومحمد بن مَسْلَمَةَ والبراءِ بن عازبٍ وعديّ بن عَمِيرَةَ وعائشة‏.‏

‏(‏قال أبو عيسى‏:‏ وأحمر بن جزءٍ هذا رجل من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم له حديث واحد‏)‏‏.‏

قال ‏(‏أبو عيسى‏)‏‏:‏ حديثُ عبدِ الله بن أقرمَ حديثٌ حسَنٌ لا نعرفهُ إلاّ من حديثِ داودَ بنِ قَيسٍ ولا نعْرفُ لعبدِ الله بنِ أقْرَمَ ‏(‏الخزاعيّ‏)‏ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم غيرُ هذا الحديث‏.‏

والعملُ عليه عند ‏(‏أكثر‏)‏ أهلِ العلمِ ‏(‏من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏‏.‏

‏(‏قال‏:‏ وعبدالله بن أرقم الخزاعيّ انما له هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ وعبدالله بن أرقم ‏(‏الزهري‏)‏ ‏(‏صاحب النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ هو كاتب أبي بكر الصديق‏)‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن داود بن قيس‏)‏ الفراء الدباغ المدني ثقة فاضل قوله‏:‏ ‏(‏عن عبيد الله بن عبد الله بن أقرم‏)‏ بتقديم القاف على الراء حجازي ثقة من الثالثة ‏(‏عن أبيه‏)‏ أي عبد الله بن أقرم وهو صحابي مقل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بالقاع‏)‏ قال في القاموس‏:‏ القاع أرض سهلة مطمئنة قد انفرجت عنها الجبال والاَكام ج قيع وقيعة وقيعان بكسرهن وأقواع وأقوع انتهى ‏(‏من نمره‏)‏ بفتح ثم كسر قال في القاموس‏:‏ نمرة كفرحة موضع بعرفات أو الجبل الذي عليه أنصاب الحرم على يمينك خارجاً من المأزمين انتهى ‏(‏إلى عفرتي إبطيه‏)‏ العفرة بالضم‏:‏ هو بياض غير خالص بل كلون عفر الأرض وهو وجهها، أراد منبت الشعر من الإبطين بمخالطة بياض الجلد سواد الشعر، كذا في ألمجمع ‏(‏ورأى بياضه‏)‏ عطف على قوله‏:‏ وأنظر إلى عفرتي إبطيه عطف تفسير‏.‏ والحديث يدل على أن السنة في السجود أن ينحي يديه عن جنبيه ولا خلاف في ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال وفي الباب عن ابن عباس وابن بحينة وجابر بن جزء وميمونة وأبي حميد وأبي أسيد وأبي مسعود وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة والبراء بن عازب وعدي بن عميرة وعائشة‏)‏ أما حديث ابن عباس فأخرجه أحمد ولفظه‏:‏ قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلفه فرأيت بياض إبطيه وهو مجنح قد فرج يديه‏.‏ وأما حديث ابن بحينة فأخرجه الشيخان ولفظه‏:‏ إذا صلى فرج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه، واسم ابن بجينة عبد الله اسم أمه‏.‏ وأما حديث جابر فأخرجه أحمد وأبو عوانة في صحيحه ولفظه‏:‏ إذا سجد جافى حتى يرى بياض إبطيه‏.‏ وأما حديث بن جزء فأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه وصححه ابن دقيق العيد على شرط البخاري ولفظه‏:‏ قال إن كنا لنأوى لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما يجافي مرفقيه عن جنبيه إذا سجد‏.‏ وأما حديث ميمونة وأبي حميد فأخرجه مسلم ولفظها‏:‏ كان إذا سجد خوى بيديه حتى يرى وضح إبطيه‏.‏ وأما حديث أبي أسيد وأبي مسعود وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة فلينظر من أخرجه‏.‏ وأما حديث البراء فأخرجه أحمد وفيه‏:‏ كان إذا سجد بسط كفيه ورفع عجيزته وخوى ورواه ابن خزيمة والنسائي وغيرهما بلفظ‏:‏ كان إذا جنح يقال جنح الرجل في صلاته إذا مد ضبعيه‏.‏ وقال الهروي‏:‏ أي فتح عضديه وخوى يعني جنح‏.‏ وأما حديث عدي بن عميرة فأخرجه الطبراني بمثل حديث جابر المذكور‏.‏ وأما حديث عائشة فأخرجه مسلم بلفظ‏:‏ نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع‏.‏

202- باب مَا جَاءَ فِي الاعتدالِ في السجود

272- حدثنا هنادٌ أبو معاوِيَةَ عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إذا سجدَ أحدُكم فلْيعتدلْ، ولا يفترشْ ذراعيه إفتراشَ الكلبِ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وفي الباب عن عبدِ الرحمَنِ بن شبلٍ وأنسٍ والبَرَاءِ وأبي حُمَيدٍ وعائشةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ جابرٍ حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ‏.‏

والعملُ عليه عندَ أهلِ العلمِ‏:‏ يختارونَ الاعتدالَ في السجود ويكرهونَ الإفتراشَ كافتراش السّبُعِ‏.‏

273- حدثنا محمودُ بنُ غَيلاَن حدثنا أبو داودَ أخبرنا شُعبةُ عن قتادةَ‏.‏ قال‏:‏ سمعتُ أنساً ‏(‏يقولُ‏)‏‏:‏ إن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏اعتدلوا في السجودِ ولا يَبْسُطَنّ أحَدُكُم ذراعَيه في الصلاةِ بَسْطَ الكلبِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ ‏(‏حسَنٌ‏)‏ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي سفيان‏)‏ اسمه طلحة بن نافع الواسطي الإسكاف نزل مكة صدوق قاله في التقريب، وقال في الخلاصة‏:‏ روى عن أبي أيوب وابن عباس وجابر وعنه الأعمش فأكثر‏.‏ قال أحمد والنسائي‏:‏ ليس به بأس‏.‏ وقال ابن معين‏:‏ لا شيء‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏إذا سجد أحدكم فليعتدل‏"‏ أي فليتوسط بين الإفتراش والقبض ويوضع الكفين على الأرض ورفع المرفقين عنها وعن الجنبين والبطن عن الفخذ، إذ هو أشبه بالتواضع وأبلغ في تمكين الجبهة وأبعد من الكسالة كذا في المجمع ‏"‏ولا يفترش ذراعيه‏"‏ أي لا يجعل ذراعيه على الأرض كالفراش ‏"‏افتراش الكلب‏"‏ بالنصب أي مثل افتراش الكلب‏.‏ قال القرطبي‏:‏ لا شك في كراهة هذه الهيئة ولا في استحباب نقيضها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عبد الرحمن بن شبل بكسر المعجمة وسكون الموحدة الأنصاري الأوسي أحد النقباء المدني نزيل حمص مات في أيام معاوية والبراء وأنس وأبي حميد وعائشة‏)‏ أما حديث عبد الرحمن بن شبل فأخرجه أبو داود والنسائي والدارمي ولفظه قال‏:‏ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نقرة الغراب وافتراش السبع وأن يوطن الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعير‏.‏ وأما حديث البراء فأخرجه مسلم ولفظه‏:‏ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك‏.‏ وأما حديث أنس فأخرجه الشيخان عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ اعتدلوا في السجود ولا ينبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب‏.‏ وأما حديث أبي حميد فأخرجه البخاري وفيه إذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما وأخرجه مسلم وتقدم لفظه في الباب المتقدم وأما حديث عائشة فأخرجه مسلم بلفظ‏.‏ نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث جابر حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والترمذي وابن خزيمة كذا في فتح الباري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اعتدلوا في السجود‏)‏ أي كونوا متوسطين بين الافتراش والقبض‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي‏.‏

203- باب ما جاء في ‏(‏وضع اليدين‏)‏ ونصب القدمين في السجود

274- حدثنا عبدُ الله بنُ عبدِ الرحمَنِ أخبرنا معَلّى بنُ أسيدٍ حدثنا وُهَيْبٌ عن محمد بن عَجْلاَنَ عن محمدِ بنِ إِبْرَاهِيمَ عن عامِر بن سعدٍ بن أبي وقاص عن أبيه‏:‏ ‏"‏أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أمَرَ بوضعِ اليدين ونَصْبِ القدمينِ‏"‏‏.‏

275- قال عبدُ الله‏:‏ ‏(‏و‏)‏ قال مُعَلّى ‏(‏بن أسد‏)‏‏:‏ حدثنا حمادُ بن مَسْعَدَةَ عن محمدِ بن عَجْلاَنَ عن محمدِ بن إِبْرَاهِيمَ عن عامر بن سعدٍ‏:‏ ‏"‏أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم ‏(‏أمَرَ بوضعِ اليَدَيْنِ‏)‏‏"‏ فذكر نحوه، ولم يذكر فيه ‏"‏عن أبيه‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ ورَوَى يحيى بنُ سعيدٍ القَطّانُ وغيرُ واحدٍ عن محمدِ بن عَجْلاَنَ عن محمدِ بنِ إِبْرَاهِيمَ عن عامِر بن سعدٍ‏:‏ ‏"‏أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أمَرَ بوضع اليدين ونصب القدمين‏"‏‏:‏ مُرْسَلٌ‏.‏

وهذا أصحّ من حديثِ وُهَيْبٍ‏.‏

وهو الذي أجمعَ عليهِ أهلُ العلمِ واختاروهُ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن‏)‏ هو الدارمي الحافظ صاحب السند ‏(‏أخبرنا وهيب‏)‏ بالتصغير هو ابن خالد بن عجلان الباهلي مولاهم أبو بكر البصري ثقة ثبت لكنه تغير قليلاً بآخره قاله الحافظ ‏(‏عن محمد بن عجلان‏)‏ المدني صدوق إلا أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة كذا في التقريب ‏(‏عن محمد بن إبراهيم‏)‏ بن الحارث بن خالد التيمي المدين ثقة له أفراد ‏(‏عن عامر بن سعد‏)‏ بن أبي وقاص ثقة كثير الحديث ‏(‏عن أبيه‏)‏ سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أحد العشرة وأول من رمى بسهم في سبيل الله ومناقبه كثيرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أمر بوضع اليدين‏)‏ المراد بهما الكفان المنهي عن افتراش الذراعين كافتراش الكلب والمراد وضعهما حذاء المنكبين أو حذاء الوجهين ويستقبل بهما القبلة لما روى مالك في الموطأ عن نافع أن ابن عمر كان يقول‏:‏ إذا سجد أحدكم فليستقبل القبلة بيديه فإنهما يسجدان مع الوجه انتهى‏.‏ قلت‏:‏ ومن ثم ندب ضم الأصابع في السجود لأنها لو انفرجت انحرفت رؤوس بعضها عن القبلة ‏(‏ونصب القدمين‏)‏ والمراد أن يجعل قدميه قائمتين على بطون أصابعهما ويستقبل بأطرافهما القبلة كما في حديث أبي حميد في صحيح البخاري‏.‏

وله‏:‏ ‏(‏وقال المعلى أخبرنا حماد بن مسعدة عن محمد بن عجلان الخ‏)‏ حاصله أن المعلى بن أسد روي هذا الحديث عن وهيب وعن حماد بن مسعدة كلاهما عن محمد بن عجلان عن محمد بن إبراهيم عن عامر بن سعد، فأما وهيب فأسند الحديث فقال عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم الخ، وأما حماد بن مسعدة فأرسله ولم يذكر عن أبيه‏.‏ وحديث حماد ابن مسعدة المرسل هو أصح من حديث وهيب المسند، فإن غير واحد رووه مرسلاً كرواية حماد بن مسعدة‏.‏

204- باب ما جاءَ في إقامة الصّلْبِ إذا رَفَعَ رأسَه من الركوع والسجود

276- حدثنا أحمدُ بن محمدِ ‏(‏بنِ موسى‏)‏ ‏(‏المَرْوَزِي‏)‏ أخبرنا ‏(‏عبد الله‏)‏ بن المبارَكِ أخبرنا شُعْبَةُ عن الحكمِ عن عبدِ الرحمَنِ بن أبي لَيْلَى عن البَرَاءِ بن عازب قال‏:‏ ‏"‏كانت صلاةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إذا ركعَ وإذا رفعَ رأسَهُ من الركوعِ، وإذا سَجَدَ وإذا رفعَ رأسَهُ من السجود قريباً من السّوَاءِ‏"‏‏.‏

‏(‏قال‏)‏‏:‏ وفي البابِ عن أنسٍ‏.‏

277- حدثنا محمدُ بن بَشّار حدثنا محمدُ بن جعفرٍ حدثنا شعبة عن الحكَمِ نحوَهُ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ البَرَاءِ حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ والعمل عليه عند أهل العلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع الخ‏)‏ ولفظ البخاري‏:‏ كان ركوع النبي صلى الله عليه وسلم وسجوده وبين السجدتين وإذا رفع من الركوع ماخلاً القيام والقعود قريباً من السواء قال ابن دقيق العيد‏:‏ هذا الحديث يدل على أن الاعتدال ركن طويل وحديث أنس صريح في الدلالة على ذلك بل هو نص فيه فلا ينبغي العدول عنه لدليل ضعيف وهو قولهم لم يسن فيه تكرير التسبيحات كالركوع والسجود‏.‏ ووجه ضعفه أنه قياس في مقابلة النص فهو فاسد‏.‏ وأيضاً فالذكر المشروع في الاعتدال أطول من الذكر المشروع في الركوع، فتكرير سبحان ربي العظيم ثلاثاً يجيء قدر قوله‏:‏ اللهم ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وقد شرع في الاعتدال ذكر أطول كما أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن أبي أوفى وأبي سعيد الخدري وعبد الله بن عباس بعد قوله‏:‏ حمداً كثيراً طيباً ملء السماوات والأرض وملء ما شئت من شيء بعد‏.‏ زاد في حديث ابن أبي أوفى‏:‏ اللهم طهرني بالثلج إلخ، وزاد في حديث الاَخرين‏:‏ أهل الثناء والمجد إلخ‏.‏ كذا في فتح الباري ص 534 ج 1، والمراد بحديث أنس ما رواه مسلم عنه قال‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال سمع الله لمن حمده قام حتى تقول قد أوهم، ثم يسجد ويقعد بين السجدتين حتى نقول قد أوهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قريباً من السواء‏)‏ فيه إشعار بأن فيها تفاوتاً لكنه لم يعينه، وهو دال على الطمأنينة في الاعتدال وبين السجدتين لما علم من عادته من تطويل الركوع والسجود‏.‏

تنبيه‏:‏

قال بعض الحنفية في تعليقه على الترمذي‏:‏ في حديث الباب مبالغة الراوي انتهى‏.‏

قلت‏:‏ كلا ثم كلا، فإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا لا يبالغون من عند أنفسم في وصف صلاته وحكاية أفعاله في الصلاة وغيرها ولا يقصرون، بل يحكون على حسب ما يرون فقوله‏:‏ في حديث الباب مبالغة الراوي، باطل ومردود عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أنس‏)‏ أخرجه مسلم وتقدم لفظه آنفاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث البراء حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

205- بابُ مَا جَاءَ فَي كَراهية أن يبادِرَ الإمامُ بالركوعِ والسجود

278- حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبدُ الرحمَنِ بن مَهْدِي، حدثنا سُفيَانُ عن أبي إسحاقَ عن عبدِ الله يَزِيدَ قال‏:‏ حدثنا البَرَاء- وهو غيرُ كَذُوبٍ- قال‏:‏ ‏"‏كُنّا إذا صَلّيْنا خلفَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فَرَفَعَ رأسَهُ من الركوعِ لم يَحْنِ رجلٌ منّا ظَهْرَهُ حتى يَسْجُدَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فَنَسْجُدَ‏"‏‏.‏

‏(‏قال‏)‏‏:‏ وفي البابِ عن أنسٍ ومعاويةَ وابن مَسْعَدَةَ صاحبِ الجيوش وأبي هريرةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ البراء حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ‏.‏

وبه يقولُ أهلُ العلم‏:‏ إنّ مَن خلفَ الإمام ‏(‏إنما‏)‏ يَتْبَعُونَ الإمام فيما يصنعُ ‏(‏و‏)‏ لا يركعونَ إلا بعدَ ركُوعهِ، ولا يرفعونَ إلاّ بعدَ رَفْعِهِ‏.‏ ولا نعلمُ بينهم في ذلك اختلافاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا سفيان‏)‏ وهو الثوري ‏(‏عن أبي إسحاق‏)‏ هو السبيعي ‏(‏عن عبد الله بن يزيد‏)‏ الخطمي صحابي صغير كان أميراً على الكوفة في زمن ابن الزبير ‏(‏وهو غير كذوب‏)‏ أي غير كاذب‏.‏

قال الحافظ‏:‏ الظاهر أنه من كلام عبد الله بن يزيد، وعلى ذلك جرى الحميدي في جمعه وصاحب العمدة، لكن روى الدوري في تاريخه عن يحيى بن معين أنه قال‏:‏ قوله وهو غير كذوب إنما يريد عبد الله بن يزيد الراوي عن البراء لا البراء، ولا يقال لرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غير كذوب يعني أن هذه العبارة إنما تحسن في مشكوك في عدالته، والصحابة كلهم عدول لا يحتاجون إلى تزكية‏.‏

وقد تعقبه الخطابي فقال‏:‏ هذا القول لا يوجب تهمة في الراوي إنما يوجب حقيقة الصدق له، قال‏:‏ وهذه عادتهم إذا أرادوا تأكيد العلم بالراوي والعمل بما روى، كان أبو هريرة يقول‏:‏ سمعت خليلي الصادق المصدوق، وقال ابن مسعود‏:‏ حدثني الصادق المصدوق، وقال عياض وتبعه النووي‏:‏ لا وصم في هذا على الصحابة لأنه لم يرد به التعديل وإنما أراد به تقوية الحديث إذا حدث البراء وهو غير متهم‏.‏ ومثل هذا قول أبي مسلم الخولاني‏:‏ حدثني الحبيب الأمين وقد قال ابن مسعود وأبو هريرة فذكرهما قال‏:‏ وهذا قالوه تنبيهاً على صحة الحديث لا أن قائله قصد به تعديل رواية وأيضاً فتنزيه ابن معين للبراء عن التعديل لأجل صحبته ولم ينزه عن ذلك عبد الله بن يزيد لا وجه له فإن عبد الله بن يزيد معدود في الصحابة انتهى كلامه‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وقد علمت أنه أخذ كلام الخطابي فبسطه واستدرك عليه الإلزام الأخير وليس بوارد، لأن يحيى بن معين لا يثبت صحبة عبد الله بن يزيد وقد نفاها أيضاً مصعب الزبيري وتوقف فيها أحمد بن حنبل وأبو حاتم وأبو داود وأثبتها ابن البرقي والدارقطني وأخرون انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لم يحن‏)‏ بفتح التحتانية وسكون المهملة أي لم يثن، يقال‏:‏ حنيت العود إذا ثنيته، وفي رواية لمسلم‏:‏ لا يحنو وهي لغة صحيحة يقال حنيت وحنوت بمعنى قاله الحافظ ‏(‏حتى يسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ وفي رواية للبخاري‏:‏ حتى يضع جبهته على الأرض ‏(‏فنسجد‏)‏ ولأحمد عن غندر عن شعبة حتى يسجد ثم يسجدون‏.‏ واستدل به ابن الجوزي على أن المأموم لا يشرع في الركن حتى يتمه الإمام‏:‏ وتعقب المأموم بعد شروعه وقبل الفراغ منه‏.‏ ووقع في حديث عمرو بن حريث عند مسلم‏:‏ فكان لا يحنى أحد منا ظهره حتى يستتم ساجداً، ولأبي يعلى من حديث أنس‏:‏ حتى يتمكن النبي صلى الله عليه وسلم من السجود وهو أوضح في انتفاء المقارنة قاله الحافظ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أنس ومعاوية وابن مسعدة صاحب الجيوش وأبي هريرة‏)‏ أما حديث أنس فأخرجه مسلم وفيه‏:‏ يا أيها الناس إني إمامكم لا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالانصراف فإني أراكم أمامي ومن خلفي‏.‏ وأما حديث معاوية فأخرجه الطبراني في الكبير قال العراقي‏:‏ ورجاله رجال الصحيح‏.‏ وأما حديث ابن مسعدة فأخرجه أحمد قال الهيثمي في مجمع الزوائد‏:‏ ورجاله ثقات إلا أن الذي رواه عن ابن مسعدة عثمان بن أبي سليمان وأكثر روايته عن التابعين انتهى‏.‏ وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث البراء حديث صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وبه يقول أهل العلم أن من خلف الإمام إنما يتبعون الإمام فبما يصنع ولا يركعون إلا بعد ركوعه ولا يرفعون إلا بعد رفعه إلخ‏)‏ فلا يجوز لهم التقدم ولا المقاربة‏.‏

206- باب ما جَاءَ في كرَاهِيةِ الإقْعَاءِ بين السجود

279- حدثنا عبدُ الله بن عبدِ الرحمَنِ، أخبرنا عُبَيْدُ الله ‏(‏بن موسى‏)‏، حدثنا إسرائِيلُ عن أبي إسحاقَ عن الحارثِ عن عليَ قال‏:‏ قال ‏(‏لِي‏)‏ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏يا عليّ، أُحِبّ لَكَ ما أُحب لنفسي، وأكرَهُ لكَ ما أكرهُ لنفسي، لا تُقْع بينَ السجدتين‏"‏‏.‏

‏(‏قال أبو عيسى‏)‏‏:‏ هذا حديثٌ لا نعرفهُ من حديثِ عليّ، إلاّ من حديثِ أبي إسحاقَ عن الحارث عن عليّ‏.‏

وقد ضَعّفَ بعض أهلِ العلمِ الحارثَ الأعْوَرَ‏.‏

والعمل على هذا الحديث عند أكثرِ أهلِ العلمِ‏:‏ يكرهونَ الإقعاء‏.‏

‏(‏قال‏)‏ وفي البابِ عن عائشةَ وأنسٍ وأبي هريرةَ‏.‏

قد اختلف في تفسير الإقعاء اختلافاً كثيراً‏.‏ قال النووي‏:‏ والصواب الذي لا يعدل عنه أن الإقعاء نوعان‏:‏ أحدهما أن يلصق إليتيه بالأرض وينصب ساقيه ويضع يديه على الأرض كإقعاء الكلب، هكذا فسره أبو عبيدة معمر بن المثنى وصاحبه أبو عبيد القاسم ابن سلام وآخرون من أهل اللغة، وهذا النوع هو المكروه الذي ورد النهي عنه‏.‏ والنوع الثاني أن يجعل إليتيه على العقبين بين السجدتين انتهى‏.‏ وذكر الجزري في النهاية التفسير الأول ثم ذكر التفسير الثاني بلفظ قيل، ثم قال والقول الأول أصح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الله بن دينار‏)‏ هو الدارمي الحافظ صاحب المسند ثقة متقن‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏يا علي أحب لك ما أحب لنفسي وأكره لك ما أكره لنفسي‏"‏ المقصود إظهار المحبة لوقوع النصحية وإلا فهو مع كل مؤمن كذلك ‏"‏لا تقع بين السجدتين‏"‏ من الإقعاء، والحديث فيه النهي عن الإقعاء بين السجدتين، وحديث ابن عباس المذكور في الباب الاَتي يدل على أنه سنة، ونذكر وجه الجمع بينهما في الباب الاَتي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد ضعف بعض أهل العلم الحارث الأعور‏)‏ هو الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني بسكون الميم أبو زهير صاحب على، كذبه الشعبي في رواية ورمى بالرفض وفي حديثه ضعف، وليس له عند النسائي سوى حديثين، مات في خلافة ابن الزبير كذا في التقريب‏.‏ وروى مسلم في مقدمة صحيحه بإسناده عن الشعبي‏:‏ حدثني الحارث الأعور كان كذاباً انتهى‏.‏ قال النووي في شرحه‏:‏ هو متفق على ضعفه انتهى‏.‏ قال الحافظ في تهذيب التهذيب‏:‏ قرأت بخط الذهبي في الميزان والنسائي مع تعنته في الرجال قد احتج به والجمهور على توهينه مع روايتهم لحديثه في الأبواب وهذا الشعبي يكذبه ثم يروى عنه، الظاهر أنه يكذب في حكاياته لا في الحديث‏.‏

قال الحافظ‏:‏ لم يحتج به النسائي وإنما خرج له في السنن حديثاً واحداً مقروناً بابن ميسرة وآخر في اليوم والليلة متابعة، وهذا جميع ماله عنده انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عائشة وأنس وأبي هريرة‏)‏ أما حديث عائشة فأخرجه مسلم وفيه‏:‏ وكان يقول في كل ركعتين التحيات، وكان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى، وكان ينهى عن عقب الشيطان‏.‏ وأما حديث أنس فأخرجه ابن ماجه بلفظ‏:‏ إذا رفعت رأس من السجود فلا تقع كما يقعي الكلب‏.‏ الحديث، وفي إسناده العلاء أبو محمد وقد ضعفه بعض الأئمة‏.‏ وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أحمد بلفظ‏:‏ قال نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثلاث‏:‏ عن نقرة كنقرة الديك، وإقعاء كإقعاء الكلب، والتفات كالتفات الثعلب‏.‏ وأخرجه البيهقي أيضاً وهو من رواية ليث بن أبي سليم، وأخرجه أيضاً أبو يعلى والطبراني في الأوسط‏.‏ قال الهيثمي في مجمع الزوائد‏:‏ وإسناد أحمد حسن‏.‏

207- باب ‏(‏ما جاء‏)‏ في الرّخْصَةِ في الإقعَاء

تقدم في الباب أن الإقعاء على نوعين، وسيطهر لك أن الرخصة في الإقعاء بالمعنى الثاني ‏(‏إنا لنراه جفاء بالرجل‏)‏ قال الحافظ في التلخيص‏:‏ ضبط ابن عبد البر بالرجل بكسر الراء وإسكان الجيم، وغلط من ضبطه بفتح الراء وضم الجيم وخالفه الأكثرون‏.‏ وقال النووي‏:‏ رد الجمهور على ابن عبد البر وقالوا‏:‏ الصواب الضم وهو الذي يليق به إضافة الجفاء إليه انتهى‏.‏ ويؤيد ما ذهب إليه أبو عمر ما روى أحمد في مسنده في هذا الحديث بلفظ‏:‏ جفاء بالقدم، ويؤيد ما ذهب إليه الجمهور ما رواه ابن أبي خيثمة بلفظ‏:‏ لنراه جفاء المرء، فالله أعلم بالصواب انتهى كلام الحافظ‏.‏ والجفاء غلط الطبع وترك الصلة والبر ‏(‏بل هي سنة نبيكم‏)‏ هذا الحديث نص صريح في أن الإقعاء سنة‏.‏ واختلف العلماء في الجمع بين هذا الحديث وبين الحديثين الواردة في النهي عن الإقعاء، فجنح الخطابي والماوردي إلى أن الإقعاء منسوخ، ولعل ابن عباس لم يبلغه النسخ وجنح البيهقي إلى الجمع بينهما بأن الإقعاء ضربان‏:‏ أحدهما أن يضع إليتيه على عقبيه وتكون ركبتاه في الأرض، وهذا هخو الذي رواه ابن عباس وفعلته العبادلة ونص الشافعي في البويطي على استحبابه بين السجدتين، لكن الصحيح أن الافتراش أفضل منه لكثرة الرواة له ولأنه أعون للمصلى وأحسن في هيئة الصلاة‏.‏ والثاني أن يضع إليتيه ويديه على الأرض وينصب ساقيه، وهذا هو الذي وردت الأحاديث بكراهته، وتبع البيهقي على هذا الجمع ابن الصلاح والنووي وأنكرا على من ادعى فيهما النسخ وقالا كيف ثبت النسخ مع عدم تعذر الجمع وعدم العلم بالتاريخ كذا في التلخيص الحبير‏.‏ وقال في النيل‏:‏ وهذا الجمع لا بد منه وأحاديث النهي والمعارض لها يرشد لما فيها من التصريح بإقعاء الكلب، ولما في أحاديث العبادلة من التصريح بالإقعاء على القدمين وعلى أطراف الأصابع‏.‏ وقد روي عن ابن عباس أيضاً أنه قال‏:‏ من السنة أن تمس عقبيك إليتيك، وهو مفسر للمراد، فالقول بالنسخ غفلة عن ذلك وعما صرح به الحفاظ من جهل تاريخ هذه الأحاديث وعن المنع من المصير إلى النسخ مع إمكان الجمع، وقد روى عن جماعة من السلف من الصحابة وغيرهم فعله كما قال النووي، ونص الشافعي في البويطي والإملاء على استحبابه انتهى ما في النيل‏.‏

قلت‏:‏ الأمر كما قال الشوكاني وقد اختار هذا الجمع بعض الأئمة الحنفية كابن الهمام وغيره‏.‏

فائدة‏:‏

قال ابن حجر المكي الافتراش بين السجدتين أفضل من الإقعاء المسنون بينهما، لأن ذلك هو الأكثر من أحواله عليه السلام انتهى‏.‏ قال القاري في المرقاة بعد نقل كلام بن حجر هذا ما لفظه‏:‏ وفيه أن الأولى أن يحمل الأكثر على أنه هو المسنون وغيره إما لعذر أو لبيان الجواز انتهى‏.‏

قلت‏:‏ لو كان لعذر لم يقل ابن عباس رضي الله عنهما هي سنة نبيكم، والظاهر هو ما قال ابن حجر والله تعالى أعلم‏.‏

280- حدثنا يحيى بن موسى حدثنا عبدُ الرزاق أخبرنا ابن جُرَيْجٍ أخبرني أبو الزّبَيْرِ أنه سمعَ طاوُساً يقولُ‏:‏ ‏"‏قلنا لابن عباس في الإقعاءِ على القدمين‏؟‏ قال‏:‏ هي السّنّةُ، فقلنا‏:‏ إنّا لَنَرَاهُ جَفَاءً بالرّجُلِ‏؟‏ قال بل هي سُنّةُ نبيّكم صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسَنٌ ‏(‏صحيح‏)‏‏.‏

وقد ذهبَ بعضُ أهلِ العِلم إلى هذا الحديثِ من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا يَرَوْنَ بالإقعاءِ بأساً‏.‏

وهو قولُ بعض أهلِ مكةَ من أهلِ الفقهِ والعلمِ‏.‏ ‏(‏قال‏)‏ وأكثرُ أهلِ العلم يَكرهون الإقعاءَ بينَ السجدتينِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون بالإقعاء بأساً‏)‏ قال الحافظ في التلخيص وللبيهقي عن ابن عمر أنه كان إذا رفع رأسه من السجدة الأولى يقعد على أطراف أصابعه ويقول إنه السنة، وفيه عن ابن عمر وابن عباس أنهما كانا يقعيان، وعن طاووس قال‏:‏ رأيت العبادلة يقعون، أسانيدها صحيحة انتهى‏.‏

قلت‏:‏ لكن إقعاء هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم كان بالمعنى الثاني ولم يكن كإقعاء الكلب كما تقدم ‏(‏وهو قول أهل مكة من أهل الفقة والعلم‏)‏ وهو قول عطاء وطاووس وابن أبي مليككة ونافع والعبادلة كذا نقل العيني عن ابن تيمية ‏(‏وأكثر أهل العلم يكرهون الإقعاء بين السجدتين‏)‏ وهو قول أبي حنيفة ومالك الشافعي وأحمد، كذا قيل‏:‏ وقد عفرت أن الشافعي نص في البويطي وغيره على استحبابه‏.‏ وقال بعض الحنفية‏:‏ لنا ما في موطأ مالك عن ابن عمر تصريح أنه ليس بسنته، ومن المعلوم عند المحدثين أن زيادة الاعتماد في نقل السنة على ابن عمر، فإن ابن عباس ربما يقول باجتهاده ورأيه ويعبره بالسنة انتهى‏.‏

قلت‏:‏ هذا مجرد ادعاء، ولو سلم فإنما يكون تعبيره بالسنة لا بسنة نبيكم، وقد قال في الإقعاء‏:‏ هي سنة نبيكم على أنه صرح ابن عمر أيضاً بأنه سنة كما روى البيهقي عنه أنه كان إذا رفع رأسه من السجدة الأولى يقعد على أطراف أصابعه ويقول إنه السنة وإسناده صحيح كما عرفت‏.‏

208- باب ما يقولُ بينَ السجْدتيْن

281- حدثنا سَلَمَةُ بن شَبِيبٍ حدثنا زَيدُ بن حُبَابٍ عن كاملٍ أبي العلاءِ عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيدِ بن جُبَيْرٍ عن ابن عباسِ‏:‏ ‏"‏أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقولُ بين السجدتين‏:‏ اللهُمّ اغْفِرْ لِي وارحَمْني واجْبُرْنِي واهْدِني وارْزُقْنِي‏"‏‏.‏

282- حدثنا الحسنُ بنُ عليَ الخلاَلُ ‏(‏الحلواني‏)‏ حدثنا يزيدُ بن هارونَ عن زيدِ ابن حُبَاب عن كامل أبي العلاء‏:‏ نحوَهُ‏.‏

‏(‏قال أبو عيسى‏)‏‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ‏.‏ ‏(‏و‏)‏ هكذا رُوِيَ عن عليّ‏.‏

وبه يقولُ الشافعيّ وأحمدُ وإسحاقُ‏:‏ يَرَوْنَ هذا جائزاً في المكتوبةِ والتّطوّعِ‏.‏ ورَوى بعضُهم هذا الحديثَ عن كاملٍ أبي العَلاءِ مُرْسَلاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سلمة بن شبيب‏)‏ المسمعي النيسابوري نزيل مكة ثقة من شيوخ التمرمذي ومسلم وغيرهما ‏(‏عن كامل أبي العلاء‏)‏ هو كامل بن العلاء التميمي الكوفي صدوق يخطيء من السابعة كذا في التقريب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان يقول بين السجدتين‏:‏ اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وارزقني‏)‏ وعند أبي داود‏:‏ اللهم اغفر لي وارحمني وعافني واهدني وارزقني وعند ابن ماجه‏:‏ رب اغفر لي وارحمني واجبرني وارزقني وارفعني‏:‏ قال الحافظ في التلخيص‏:‏ وجمع بينهما الحاكم كلها إلا أنه لم يقل وعافني انتهى‏.‏ قال الجزري في النهاية‏:‏ واجبرني أي اغنني من جبر الله مصيبته أي رد عليه ما ذهب عنه أو عوضه عنه وأصله من جبر الكسر، والحديث يدل على مشروعية الدعاء بهذه الكلمات في القعدة بين السجدتين‏.‏ وفي الباب عن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين‏.‏ رب اغفر لي رب اغفر لي، رواه النسائي وابن ماجه ورواه مسلم في صحيحه مطولاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ تفرد به كامل أبو العلاء، ولم يحكم عليه الترمذي بشيء من الصحة والضعف، ورواه الحاكم وصححه، وسكت عنه أبو داود وقال المنذري في تلخيص السنن‏:‏ وأخرجه الترمذي وابن ماجه ونق قول الترمذي‏:‏ هذا حديث غريب إلخ، ثم قال‏:‏ وكامل هو أبو العلاء ويقال أبو عبيد الله كامل بن العلاء التميمي السعدي الكوفي وثقه يحيى بن معين وتكلم فيه غيره انتهى كلام المنذري‏.‏

قلت‏:‏ وقال بن عدي‏:‏ لم أر للمتقدمين فيه كلاماً، وفي بعض رواياته أشياء أنكرتها ومع هذا أرجو أنه لا بأس به وقال النسائي‏:‏ ليس بالقوي، وقال مرة‏:‏ ليس به بأس‏.‏ وقال ابن حبان كان ممن يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل كذا في الميزان وغيره من كتب الرجال‏.‏ فقول النسائي‏:‏ ليس بالقوي جرح مبهم ثم هو معارض بقوله‏:‏ ليس به بأس‏.‏ وأما قول ابن حبان‏:‏ كان ممن يقلب الأسانيد إلخ غير قادح فإنه متعنت ومسرف كما تقرر في مقره، فحديثه هذا إن لم يكن صحيحاً فلا ينزل عن درجة الحسن والله تعالى أعلم‏.‏

209- باب ما جاء في الاعتماد في السجود

283- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا الليثُ عن ابن عَجْلاَنَ عن سُمَي عن أبي صالحٍ عن أبي هريرةَ قال‏:‏ ‏"‏اشْتَكى ‏(‏بعض‏)‏ أصحابُ النبيّ صلى الله عليه وسلم الى النبي صلى الله عليه وسلم مَشَقّةَ السجودِ عليهم إذا تَفَرّجُوا فقال‏:‏ اسْتَعِينُوا بالرّكَبِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديث لا نعرِفهُ من حديث أبي صالحٍ عن أبي هريرةَ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلا مِنْ هَذا الوجه، من حديثِ اللّيْثِ عن ابن عَجْلاَنَ‏.‏ وقد رَوَى هذا الحديث سُفيَانُ بن عُيَيْنَةَ وغيرُ واحدِ عن سُمَيّ عن النّعْمَانِ بن أبي عَيّاشٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نحو هذا‏.‏ وكأنّ روايةَ هؤلاء أصحّ من روايةِ اللّيْثِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن سمي‏)‏ بضم السين وفتح الميم وشدة الياء مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث المخزومي المدني، روى عن مولاه وأبي صالح ذكوان وابن المسيب وغيرهم‏:‏ قال أحد وأبو حاتم ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات وقال‏:‏ قتلته الحرورية سنة 35 خمس وثلاثين‏:‏ وقال النسائي في الجرح والتعديل‏:‏ ثقة كذا في تهذيب التهذيب ‏(‏عن أبي صالح‏)‏ هو ذكوان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا تفرجوا‏)‏ إذا باعدوا اليدين عن الجنبين ورفعوا البطن عن الفخذين في السجود ‏"‏استعينوا بالركب‏"‏ قال ابن عجلان أحد رواة الحديث‏:‏ وذلك أن يضع مرفقيه على ركبتيه إذا طال السجود وأعيا، ذكره الحافظ في الفتح‏.‏ والحديث يدل على مشروعية الاستعانة بالركب في السجود عند المشقة في التفريج‏.‏ قال الحافظ بعد ذكر أحاديث التفريج في السجود ما لفظه‏:‏ ظاهر هذه الأحاديث وجوب التفريج المذكور لكن أخرج أبو داود ما يدل على أنه للاستحباب وهو حديث أبي هريرة شكا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم له مشقة السجود عليهم إذا انفرجوا فقال استعينوا بالركب، وترجم له الرخصة في ذلك أي في ترك التفريج انتهى‏.‏

قلت‏:‏ الظاهر أن التفريج في السجود واجب عند عدم المشقة فيه، وأما عند وجود المشقة فيه فيجوز ترك التفريج والاستعانة بالركب والله تعالى أعلم‏.‏ وحديث الباب أخرجه أبو داود‏.‏

تنبيه‏:‏

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري بعد نقل حديث الباب عن سنن أبي داود ما لفظه‏:‏ وقد أخرج الترمذي الحديث المذكور ولم يقع في روايته يعني في رواية الترمذي إذا انفرجوا، فترجم له‏:‏ باب ما جاء في الاعتماد إذا قام من السجود، فجعل محل الاستعانة بالركب لمن يرفع من السجود طالباً للقيام واللفظ يحتمل ما قال، لكن الزيادة التي أخرجها أبو داود تعين المراد انتهى كلام الحافظ‏.‏ وقال العيني في عمدة القاري ما لفظه‏:‏ وفي التلويح وزعم أبو داود أن هذا كان رخصة، وأما أبو عيسى الترمذي فإنه فهم منه غير ما قاله ابن عجلان، فذكره في باب ما جاء في الاعتماد إذا قام من السجود انتهى‏.‏

قلت‏:‏ قد وقع في جميع نسخ جامع الترمذي الموجودة عندنا‏:‏ باب ما جاء في الاعتماد في السجود، وليس في واحد منها إذا قام من السجود، وقد وقع في جميعها لفظ‏:‏ إذا تفرجوا، كما وقع في رواية أبي داود، فلعله وقع في بضع النسخ كما قال الحافظ وصاحب التوشيح والله تعالى أعلم‏.‏